حكايات زواريب المخيم.. متى تنتهي.. ؟!



علي هويدي


سمِّه ما شئت؛ زقاق، زاروب، طريق ضيق، لا فرق فالمضمون واحد. زواريب مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ربما ليست كغيرها من زواريب مخيمات أو تجمعات اللاجئين في العالم..، ففيها من الحكايات ما يجعلها محطة مفصلية لإهتمامات محلية وإقليمية ودولية، ولزيارة "السياح" من بلاد العرب والعجم..!
يتميز زاروب المخيم بجدرانه المتدرجة تماما كالمطبات السياحية للطرقات، وبألوانه الممزوجة بما تبقى من إسمنت وما علق عليها من ألوان مختلفة مر عليها أعوم وأعوام، يتميز بمضامينه التي تحاكي القضية الفلسطينية بجميع مكوناتها من صور للشهداء وللجرحى وللأسرى، ولخريطة فلسطين، وقبة الصخرة، والمسجد الأقصى..، ورسوم تشكيلية وملصقات مختلفة وعبارات تحاكي واقع المخيم بالقبول أو الرفض.. يتميز بنوافذ المنازل المنخفضة وقربها من بعضها البعض لتشكل خصوصية الحديث إلى أذن الجار تواصل غير محمود..!
متميِّزٌ بعضها بمجاريره الفوقية وروائحها المنبعثة على الساكن والزائر، وبأسلاك الكهرباء المتدلية التي تعانق بحرارة العاشق بحيث لا تنفصل عن أنابيب المياه، هو الزاروب بحديده الناتئ من زواياه المختلفة، هو الزاروب بمطباته الرملية أو الإسمنتية، هو مكان للدراسة وللعب الأطفال، هو مكان لاستنشاق الهواء ومتنفس التفريج عن الهموم، هو مكان لقاء "ختايرة" الحيّْ وشبانها، هو مكان لشرب الشاي والقهوة، هو مكان للبحث ومناقشة الأمور الصعبة وحل المشاكل بين الأهالي، هو مكان لتحضير الخضار وإعداد الطعام، هو مكان لزراعة شجر الظل والثمار، هو مكان لزراعة بعض نباتات الزينة وتلك التي يمكن الإستفادة منها كالبصل والنعنع وغيرها..، هو دكان لبيع ولشراء احتياجات الناس، هو مكان للطبخ ولإشعال النار في الحطب، هو مكان لزفة العرس ومرور الجنائز لكن بصعوبة، لذا يضطر البعض لحمل الجثمان لصعوبة مرور النعش..، هو مكان يتسع أحيانا لشخص واحد وحينا آخر لشخصين، هو مكان لخربشة الأطفال وإطلاق العنان لمخيلاتهم وأفكارهم وكلماتهم الخالية من الحروف المتكاملة..!
في الزاروب لا فرق بين الليل والنهار فالظلمة واحدة، فبعض الأزقة لا تدخلها أشعة الشمس، وتغيب عنها أعمدة الإنارة، هو المكان الذي يفِر إليه البعض من الشباب المراهق للتدخين أو ملاذاً "آمنا" حين التسرب من المدارس وأثناء الشجار مع الأقران، هو المكان الذي تلجأ إليه العائلات عند وقوع أي حدث أمني فبعض الأزقة كونها تقع تحت بعض المنازل التي بنيت بشكل عشوائي باتت تشكل ملجئاً آمنا للبعض..!
بطبيعة الحال يختلف شكل الزاروب في الصيف عنه في الشتاء، ففي الشتاء لا مكان يتسع لتدفق المياه، لتدخل إلى البيوت حاملة معها بقايا الأشياء المختلفة من النفايات... السير في الزاروب يشكل حالة خاصة، فمن أراد أن ينتقل من وإلى المخيم عليه بتبديل ملابسه مرات ومرات، وتزداد الخطورة بالإنزلاق وتشابك اسلاك الكهرباء بالماء وقد سقط العديد من الضحايا بسبب الصعقات الكهربائية خاصة في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا، وكم ضاع على طلاب المدارس من أيام دراسية بسبب عدم القدرة على التنقل من المنزل إلى المدرسة والعكس..!
هو المكان المسبب للأمراض المزمنة كالربو والضغط والسكري والقلب وكذلك للأمراض الجلدية، ومسبب للآفات الإجتماعية، فالقوارض كبيرها وصغيرها لها في الزاروب مكان، ونصيبٌ من حرية الحركة خاصة في الليل، وتكرار نوع السموم الذي تتناوله من قبل "الأونروا" أكسبها مناعة، تدخل البيوت بلا استئذان، وتجعل الزوايا مكاناً لسكناها لتتسلق إلى المنازل في الطوابق العليا..!
آن لتلك الحكايات أن تنتهي إلى غير رجعة، وإلا سنبقى نرويها وربما في كل مرة نروي حكاية جديدة..!
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 11/2/2022
--------
الصورة من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق