مدارس المخيّمات تلفظ طلّابها

  

جريدة الاخبار / حنين رباح

"يدقّ جرس الفرصة، لا يقف طفل واحد ليشاهد رفاقه يأكلون المناقيش مع العصير كما في المسلسلات الدرامية. هنا الكلّ يقف متفرّجاً، كلّ الأطفال لا يملكون المال لشراء منقوشة المدرسة المعروفة. لا شيء هنا سوى فيروس يجول بين الطلاب"، هكذا يصف الأستاذ محمد (اسم مستعار) "الفرصة" في مدرسة القادسية في مخيم الرشيدية. أمّا في مخيم برج البراجنة، فيسير أبو سمير (60 سنة) متّكئاً على عكّازه، تماماً كما هي حال العام الدراسي بالنسبة لأبناء المخيم. يصطحب أحفاده في الصباح، محمد إلى المدرسة، وعمر وإبراهيم إلى "قهوة أبو سمرا" للعمل في توصيل الطلبات. يوم مدرسي عادي أقرّته «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، لكن لا يكاد يخلو زقاق في المخيم من الأطفال اللاعبين. آلاف الأسر هنا تخلّت عن إرسال أطفالها إلى المدرسة، مقابل عملهم بمردود زهيد أو ربّما لتخفيف عبء تكاليف التعليم. لم يَعُد التعليم مجّانياً كما تدّعي "الأونروا"؛ فكلفة طالب واحد في باص المدرسة تزيد على 300 إلى 400 ألف ليرة لبنانية في الشهر الواحد، فيما أغلب الأسر لا يقلّ عدد أطفال كلّ منها عن الـ3.

10 أيام في الشهر تقريباً، هي مجمل الأيام التي يتلقّى فيها الطالب الفلسطيني تدريسه، على شكل أسبوع تعليم يلحقه أسبوع عطلة. ومن الممكن أن يتقلّص هذا العدد مع الأعطال الرسمية وإقفال المدارس بسبب تفشّي فيروس "كورونا". إقفال يستمرّ لثلاثة أيام لتعقيم المدرسة، وليس بداعي حجر الطلاب والأساتذة. أمّا الطالب الذي يعاني من عوارض الإصابة بالفيروس، فيُجري فحص «PCR» على حسابه. هكذا، وبعد عامَين من التعليم عن بعد، عادت "الأونروا" إلى التعليم بـ"التناوب"، من دون توافر مقوّمات صحية أو تشجيع على اللقاح. لا تُقدّم الوكالة أيّ رقم عن عدد الملقَّحين من الأساتذة أو الطلاب، أو ربّما لا تملك إحصائية، لكن ما يؤكده مسؤول اللجان الأهلية في المخيمات والتجمّعات الفلسطينية في لبنان، محمد الشولي، هو أن عدد الملقّحين من الطلاب لا يزيد على الـ1 بالألف. كما يؤكد الشولي "انخفاض أيام التدريس لدى الطلاب، وعدم التعويض لهم بشكل فعّال مع الإقفالات المتكرّرة للصفوف أو المدارس التي ينتشر فيها فيروس كورونا بنسبة تفوق الـ10%"، إضافة إلى عدم تفعيل "الأونروا" لمنصّة تعليمية عبر موقعها، تتيح للطالب التعلّم عن بعد، وذلك بسبب عدم توافر طاقم تعليمي كافٍ للتشغيل"، و"تهرّباً من متطلّبات الطلاب من أجهزة إلكترونية وكهرباء وشبكات إنترنت".

من جهته، يفيد اتحاد المعلمين، "الأخبار"، بأن "مدرسة رام الله في مخيم شاتيلا ومدرسة غزة في الشمال أقفلت أبوابها بسبب تفشّي الفيروس بين طلابها". تكتفي المدارس، في أسبوع العطلة، بإرسال خطّة دراسية للطالب، تطبيقاً للبرنامج التعليمي لـ"الأونروا". وبحسب الأستاذ علاء (اسم مستعار)، فإن "هذه الخطّة لا تُطبَّق في أغلب الأحيان نتيجة عدم قدرة الأهل غير المتعلّمين على المتابعة، إضافة إلى تكلفة تصوير الأوراق الباهظة في المخيمات، والتي تكون عادة على عاتق الأهل". التعليم لا يعني أن تحجز مقعداً في الصف؛ هو عملية مرتبطة بتكاليف المواصلات والقرطاسية والأكل اليومي للطالب، والذي تتخطّى فاتورته الـ40 دولاراً شهرياً، ما يضطرّ الكثير من عائلات المخيم إلى العزوف عن إرسال أبنائها إلى المدرسة بسبب عدم القدرة على دفع هذه التكاليف، إضافة إلى حاجة الطلاب إلى الدروس الخصوصية ممّا ينفي "مجّانية التعليم". وفي هذا المجال، تقرّ المتحدثة باسم "الأونروا" في لبنان، هدى سمرا، في حديث إلى "الأخبار"، بالصعوبات الاقتصادية التي يعانيها اللاجئون الفلسطينيون، والتي عمدت الوكالة إلى التخفيف منها من خلال تقديم دعم "من بعض شركائها" للطلاب "الأكثر حاجة"، وفقاً لمعايير لم تحدّدها، وبأرقام لم تكشفها. ولفت سمرا إلى أن "65 مدرسة هي التي تديرها الأونروا في كلّ المناطق اللبنانية، من بينها 9 ثانويات، يتعلّم فيها حوالى 39 ألف طالب، منهم 4795 طالباً من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا".

مدارس «داشرة»

"صفوف بلا أساتذة ومدارس بلا مدراء"، هكذا يصف الحال أستاذ من "اتحاد المعلمين"، رفض ذكر اسمه تجنّباً لمحاسبة "الأونروا". يوضح الأستاذ أن شكل التدريس القائم على الأسبوعَين في الشهر، نابع من صرف الوكالة أعداداً تفوق الـ50 أستاذاً، ما أدى إلى نقص كبير في الكادر التعليمي. وتستعين "الأونروا" بأساتذة "مياومين" لتغطية النقص الحاصل نتيجة إصابة الأساتذة بفيروس "كورونا" أو بفعل الصرف، وهذا ما يقلّل التكاليف وأجور المعلمين؛ فالأستاذ الثابت يتقاضى راتباً شهرياً، في حين أن الأساتذة الجدد يتقاضون يومياً. أمّا على مستوى الكادر الإداري، فمدرسة رام الله في مخيم شاتيلا ومدرسة القدس في مخيم برج البراجنة بلا مدراء مثلاً. هذه المدارس تدار بقرارات ارتجالية؛ إذ لا آليات واضحة للتعامل مع تفشّي الموجة الجديدة من الفيروس، وغالباً ما يعتمد القرار على "وعي" المدير وتوصية المراكز الصحّية في المخيمات. كما لا تخطيط ولا معالجة جادّة للتداعيات، وهو ما يؤدي إلى مفاقمة ظاهرة التسرّب التي لا أرقام واضحة في شأنها، خصوصاً في الصفوف التكميلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق