حكايات استقلالية!

 

طلال سلمان


يحفل التاريخ السياسي لاستقلال الدولة في لبنان، الذي نحتفل غداً بذكراه الثالثة والستين، بطرائف تتجاوز كل خيال..
ويتندر بعض معاصري الحقبة الاستقلالية ممن كتبوا الحكاية، كيف استبدل الجنرال البريطاني سبيرز اسم المرشح (المعتمد من طرف فرنسا) ليكون أول رئيس للبنان المستقل، في اللحظة الأخيرة..
بين ما يروونه أن المعتمد البريطاني أبلغ كلمة السر إلى بعض رجاله فعمّموها… وكانت أكثرية النواب في منزل الراحل إميل إده في ما يشبه المبايعة. فلما بلغتهم كلمة السر تذرع كل منهم بسبب للمغادرة، ولم يبق منهم إلا نائب واحد تربطه صداقة حميمة بصاحب الدار… فما كان من المرشح الذي فهم أنه قد خسر المعركة من قبل أن تجري، إلا أن جاء صديقه بمعطفه والقبعة وودّعه داعياً إياه إلى الالتحاق بركب المنتصرين حتى لا يعاقب برهانه الخاطئ!
وبين ما يروونه أن الرئيس الأول لدولة الاستقلال المرحوم الشيخ بشارة الخوري قد زيّنت له الأكثرية التي جاءت بها انتخابات 25 أيار 1947 التي دمغت بأنها مزورة بالقصد، أن يطلب التجديد لنفسه، فكان له ما أراد، ولكن اتجاه الريح تبدل قبل أن تنتصف ولايته الثانية، وعندما حاول أن يكابر، صدرت الإشارة فامتنع كل من هو مرشح عن قبول رئاسة الحكومة، كما أبلغته قيادة الجيش أنها لن تتصدى بجندها للمضربين والمعتصمين المعارضين لحكمه، فخرج كبيراً..
وبين ما يروونه أن الرئيس الثاني لدولة الاستقلال كميل شمعون والذي جاءت به ثورة شعبية، قد أخرج من القصر بثورة شعبية شبه مسلحة، يطارده شعار جاء بهم الأجنبي فليخرجهم الشعب … وأنه استنجد بواشنطن فخيّبت رجاءه، ولكنها أوفدت الأسطول السادس إلى شواطئ بيروت، بعد انفجار ثورة 14 تموز في العراق، التي أنهت الملكية فيه، ثم طالبته بأن يطلب النجدة لتغطية تدخلها شرعياً … ولكنها امتنعت عن التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية فكان عليه أن يحمل عصاه ويرحل !
… ولو تتبعنا أخبار الرواة لانتهينا إلى أن الرؤساء الاستقلاليين جميعاً، وإلى حد كبير الحكومات، قد جاءت بهم اتفاقات، حتى لا نقول صفقات عربية بريطانية، أو عربية أميركية، مع مراعاة لحصة فرنسية تقليدية لكنها غير مؤثرة، ومراعاة لحصة سوفياتية من ضمن الحصة العربية في الستينيات والسبعينيات.
… ولو تتبعنا أخبار الرواة لانتبهنا إلى أن مرشحين منتخبين لرئاسة الجمهورية لم يتمكنا من الوصول إلى القصر الجمهوري لأن انتخابهما قد جاء مخالفاً للاتفاقات الصفقات العربية الدولية، فكان أن اغتيلا قبيل مراسم التنصيب أو غداتها.
أما إذا انتبهنا إلى واقعنا الراهن عشية العيد الثالث والستين للاستقلال لأفزعتنا هذه العلنية المستفزة في التدخل الدولي في الشؤون الداخلية، لهذا البلد البلا داخل، والذي دولته قيد التأسيس، دائماً..
إن رئيس الجمهورية فيه منتقص الشرعية، ومجلس الأمن الدولي يناقش اليوم حقه في التوقيع على الاتفاق على المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستنشأ لمحاكمة المتهمين بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري… وثمة رأي غالب بعدم الالتفات إلى حقه هذا، برغم أن هذا الاتفاق هو في منزلة معاهدة دولية، يعطيه الدستور الحق بالشراكة مع رئيس الحكومة في إقرارها واعتمادها.
أغرب من ذلك: أن السفراء الأجانب المعتمدين له، وكذلك السفراء اللبنانيون الذين اعتمدهم لمناصبهم، يقاطعونه فلا يزورونه، ولا يرجعون إليه، مخالفين بذلك الأعراف والأصول المعمول بها.
ثم أن الحكومة القائمة بالأمر الآن، والتي خرج منها ستة وزراء، بينهم خمسة يمثلون طائفة كبرى في البلاد، متهمة بأنها ناقصة الشرعية ومنقوصة الدستورية.
وهكذا يهل علينا عيد الاستقلال بمجموعة من الطرائف: رئيس الجمهورية الذي يقول بأن الحكومة لم تعد شرعية يعتمد وزراء سابقين لوضع أكاليل من الزهور على أضرحة أبطال الاستقلال… ثم أنه سيقف غداً في القصر الجمهوري وعن يمينه رئيس المجلس النيابي، الذي لم يزره منذ ردح من الزمن، وعن يساره رئيس الحكومة الذي يتبادل معه الطعن في الشرعية، ليستقبلوا المهنئين ويتبادلوا أطيب التمنيات!
أما في الشارع فثمة من يحتفل على طريقته بعيد الاستقلال الذي لا يعني له أكثر من عطلة يوم إضافية في دولة معطلة عن الإنتاج.. ومهددة في وجودها!

نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 21 تشرين الثاني ((نوفمبر) 2006


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق