74 سنة على صدور القرار الأممي رقم 181: عن التضامن بعد التقسيم ونشوء الأونروا

 

الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين

تقرير

74  سنة على صدور القرار الأممي رقم 181:

عن التضامن بعد التقسيم ونشوء الأونروا

28 تشرين الثاني/نوفمبر 2021

 

مقدمة:
في 29 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1947 أصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الثانية القرار رقم 181 الذي بموجبه "أوصت" - ولنضع خطين تحت كلمة أوصت - بتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة عربية بنسبة (42،88%) من مساحة فلسطين التاريخية وأخرى يهودية بنسبة (55،47%) وأن تبقى مدينتي القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية بنسبة (0،65%) من المساحة.

 

أيدت القرار 33 دولة (استراليا، بلجيكا، بولونيا، البرازيل، روسيا البيضاء، كندا، كوستاريكا، تشيكوسلوفاكيا، الدانمرك، الدونيميكان، اكوادور، فرنسا، غواتيمالا، هاييتي، ايسلندا، ليبيريا، لوكسومبورغ، هولندا، نيوزيلندا، نيكاراغوا، النروج، بناما، باراغواي، بيرو، الفلبين، بولندا، السويد، اوكرانيا، جنوبي افريقيا، الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة الامريكية، اوروغواي، فانزويلا)، بينما عارضته 13 دولة (افغنستان، كوبا، مصر، اليونان، الهند، ايران، العراق، لبنان، باكستان، المملكة العربية السعودية، سوريا، تركيا، اليمن) وامتناع 10 دول عن التصويت (الارجنتين، تشيلي، الصين، كولومبيا، السلفادور، الحبشة، هندوراس، المكسيك، انكلترا، يوغسلافيا)، وفي الثاني من كانون الأول / ديسمبر من العام 1977 وفي جلستها العامة رقم 91 اتخذت الجمعية العامة للامم المتحدة القرار رقم 50/3/ج اعتبرت فيه تاريخ صدور قرار التقسيم 29/11/47 يوماً للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني (1)، هذا وتحيي الأمم المتحدة المناسبة سنوياً ابتداء من العام 1978 حسب القرار ومعها مختلف المشارب والأطياف الفلسطينية والصديقة المساندة للحق الفلسطيني في مختلف ارجاء العالم.

 

وفي إجراء تقليدي من كل عام تعقد "اللجنة المعنية بممارسة الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني" اجتماعاً خاصاً يشارك فيه أمين عام الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة إلى جانب عدد من ممثلي الدول للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، كما يصدر الأمين العام رسالة خاصة بالمناسبة يتمنى فيها السلام العادل والدائم وفقا لقرارات مجلس الأمن دون ذكر لقرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين رقم 194 (2) الذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، كما طلبت الجمعية العامة في جلستها الستين وبموجب القرار 60/37 بتاريخ 1/12/2005 من لجنة وشعبة حقوق الفلسطينيين ضمن فعاليات احياء المناسبة "تنظيم معرض سنوي عن حقوق الفلسطينيين أو مناسبة ثقافية بالتعاون مع البعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى الأمم المتحدة".

 

فكرة تقسيم فلسطين

تعتبر بريطانيا المادة الرئيسية المسيِّرة لمخطط تنفيذ تقسيم فلسطين، إذ تعود الفكرة الى ما قبل عشرة سنوات من صدور القرار عن الجمعية العامة للامم المتحدة، وتحديدا في السابع من شهر تموز / يوليو من العام 1937 وبعد مرور 19 عاما على وقوع الانتداب البريطاني على فلسطين، حينها شكلت الحكومة البريطانية في شهر آب/اغسطس من العام 1936 لجنة تحقيق بريطانية برئاسة اللورد روبرت بيل سميت اللجنة لاحقا باسمه "لجنة بيل"، بغرض دراسة الأسباب الأساسية لانتفاضة الشعب الفلسطيني في نيسان/ابريل من العام 1936، وقد ضمت اللجنة 6 أعضاء، وبعد مرور 6 اشهر من عملها في فلسطين توصلت الى نتيجة مفادها، أن تتخذ الحكومة البريطانية الخطوات اللازمة لإنهاء الانتداب وتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة عربية واخرى يهودية مع بقاء القدس وبيت لحم والناصرة تحت الانتداب البريطاني، وكانت تلك المرة الأولى التي ترد فيها فكرة التقسيم، واضافت اللجنة في تقريرها "ما دام العرب يعتبرون اليهود غزاة دخلاء، وما دام اليهود يرمون الى التوسع على حساب العرب فالحل الوحيد هو الفصل بين الشعبين، فتؤلف دولة يهودية في الاراضي التي يكوِّن اليهود اكثرية سكانها ودولة عربية في المناطق الاخرى".

 

سارع العرب الى عقد مؤتمر عام في دمشق بناء على دعوة "لجنة الدفاع عن فلسطين" سمي بـ "المؤتمر الفلسطيني العربي في بلودان" في الثامن والتاسع من ايلول / سبتمبر1937، وقد كان أول مؤتمر عربي يناقش القضية الفلسطينية، وفيه أعرب المشاركون عن رفضهم الكامل لفكرة التقسيم واعتبار ان "فلسطين جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، ورفض الإنتداب ووعد بلفور والهجرة اليهودية والتقسيم وانتقال الأراضي ومقاومة انشاء دولة يهودية".

 

وتكررت فكرة تقسيم فلسطين مرة أخرى من خلال اقتراح تنفيذ "مشروع موريسون" أو "مشروع النظام الإتحادي" الذي عرضته بريطانيا أيضا، فقد اقترحت على العرب خلال انعقاد مؤتمر لندن من 10/9 ولغاية 2/10/1946 تقسيم فلسطين الى 4 مناطق ادارية:

1-    المنطقة اليهودية، وتشمل معظم الاراضي التي اقام فيها اليهود.

2-    القدس، وتشمل القدس وبيت لحم والمناطق المجاورة

3-    النقب

4-    المنطقة العربية وتشمل ما تبقى من اراضي فلسطين، وتمنح كل من المنطقة العربية واليهودية استقلالا ذاتيا.

 

وحين ادركت بريطانيا فشل مساعيها الرامية الى التقسيم بموافقة العرب اتجهت منذ انتهاء مؤتمر لندن سنة 1946 الى ان يتم تقسيم فلسطين وانشاء الدولة اليهودية فيها عن طريق الامم المتحدة التي كان للولايات المتحدة الامريكية نفوذ كبير داخلها في ذلك الوقت وكانت الحركة الصهيونية بدورها قد بدات تركز نشاطاتها وضغوطها على الحكومة الامريكية لادراكها انها القادر على تمرير التقسيم في المنظمة الدولية الجديدة" (3).

 

كانت التحضيرات شبه مكتملة لاطلاق هيئة الامم المتحدة، اذ انه وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عقد مؤتمر في مدينة سان فرنسيسكو بالولايات المتحدة في 25/4/1945 حضره زعماء الدول الكبرى بهدف وضع مشروع لميثاق دولي يهدف الى احلال السلام بين الدول حضره وفود 50 دولة، وفي 24 تشرين الاول / اكتوبر عام 1945 تم التصديق باغلبية الدول على الميثاق وبدأت هيئة الامم المتحدة دورتها الاولى في 14 شباط / فبراير عام 1946 بوفود 51 دولة، واعتبر مجلس الامن احد اجهزتها الرئيسية الستة بعد (الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية ومحكمة العدل الدولية والامانة العامة)، مع بند ينص على "حق النقض الفيتو"، فاذا رفضت دولة واحدة من الدول الخمس الكبرى (امريكا، فرنسا، الاتحاد السوفياتي، الصين وبريطانيا) اي قرار فان ذلك يتسبب في عدم نفاذه، حتى لو وافق عليه باقي الدول غير دائمة العضوية في مجلس الامن وعددها حينها عشرة (خمساً من افريقيا وآسيا، وواحدة من اوروبا الشرقية، واثنين من امريكا اللاتينية، واثنين من اوروبا الغربية واماكن اخرى). الامر الذي سهل الطريق لتكريس الموافقة على قرار تقسيم فلسطين أو أي قرار آخر والتسلح بالموقف الأمريكي في مجلس الامن.

 

حاولت العديد من البلدان مرات كثيرة التعديل في هذا البند المجحف (الفيتو) - الذي فقد مبرراته - الا انها لم تنجح وبقي الشرط ساريا حتى يومنا هذا، وفي وصف مساعي الحركة الصهيونية للضغط على الدول المعارضة للتقسيم لتغيير مواقفها كتب الصهيوني دافيد هورفيتش: "اجتمعنا في مكاتب الوكالة وتشاورنا في الطرق والوسائل الكفيلة لتغيير مجرى الأحداث. دقت أجراس الهواتف بشكل محموم. أرسلت البرقيات إلى كل أنحاء العالم. أيقظنا أناس من نومهم في منتصف الليالي وأرسلناهم في مهام غريبة. والأغرب من ذلك كله انه ما من يهودي ذي نفوذ سواء أكان صهيونيا أم غير صهيوني رفض أن يعطينا العون في أي وقت كان فقد وضع الجميع إمكاناتهم صغيرة كانت أم كبيرة في خدمة المحاولات اليائسة لترجيح كفتنا".

 

اهمية قرار التقسيم

يعتبر القرار 181 اهم قرار أصدرته الأمم المتحدة خلال تعاملها مع القضية الفلسطينية، ويعد الأساس الذي قامت عليه (دولة اسرائيل)، وهو القرار الاكثر اهمية وخطورة من كافة القرارات الدولية من الناحية السياسية لانه يتناول موضوع الارض والسكان في آن واحد، وأن التراجع أو التنازل عن جوهر هذا القرار هو بمثابة التنازل عن السيادة  القانونية والحق التاريخي لليهود في فلسطين، بما يفتح الباب نحو اكتساب الاحتلال لشكل من أشكال السيادة القانونية والحقوق التاريخية في فلسطين بما يتناقض مع كل حقائق التاريخ من جهة، وبما يعزز السيادة السياسية للاحتلال، والتي حققها بوسائل القوة والإكراه بعيدا عن كل مصادر الشرعية من جهة أخرى. وعلى الرغم من عدم قانونية القرار كما سنوضح لاحقا إلا أن (اسرائيل) لم تنفذ قرار التقسيم وفي المقابل استمرت في تنفيذها لسياسة التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني من خلال عمليات القتل الممنهج على ايدي العصابات الصهيونية واستخدام سياسة "الهمس" وبث الاشاعات لاخافة الفلسطينيين ودفعهم للهجرة، والاستيلاء تدريجيا على ممتلكاتهم، وتفيد الاحصاءات على انه بالرغم من استخدام الحركة الصهيونية لكافة الوسائل غير المشروعة لتنفيذ مخططها لا سيما بث الاشاعات، ومن ان الفلسطينيين باعوا بيوتهم وخرجوا من فلسطين بملء ارادتهم فان "(89%) من اهالي القرى خرجوا بناءً على أعمال عسكرية إسرائيلية و(10%) منهم خرجوا بناءً على نظرية الحرب النفسية وبث الاشاعات و(1%) فقط خرجوا طوعاً أو بقرار منهم".(4)،

 

ولم تكتف دولة الاحتلال بالسيطرة على 55،47% من مساحة فلسطين تطبيق لقرار التقسيم، انما تعدته لتحتل اراض فلسطينية اخرى لتصل المساحة الاجمالية للاحتلال مع انتهاء الانتداب البريطاني والاعلان عن قيام "دولة اسرائيل" في 15/5/1948 الى ما نسبته 78% من ارض فلسطين التاريخية، لتعود وتحتل ما تبقى من ارض فلسطين في العام 1967، بالاضافة الى بعض الاجزاء من بعض الدول العربية الاخرى (سوريا، مصر ولبنان)، وعلى الرغم من صدور القرار 242 عن مجلس الامن بتاريخ 22 تشرين الثاني / نوفمبر عام 67 الذي يقضي "بانسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي التي احتلت" وصدور القرار 338 في 22 تشرين الاول / اوكتوبر 1973 بضرورة تطبيق القرار 242، الا ان الاحتلال الاسرائيلي لم يكن ليتجاوب مع اي من القرارات الاممية الا بما يتوافق مع مصلحته الاستراتيجية.

 

عدم شرعية قرار التقسيم

يعتبر خبراء القانون الدولي أن "منح مجلس جمعية الأمم انتدابا للحكومة البريطانية لتتولى بمقتضاه إدارة فلسطين، لم يحرم شعبها حق سيادته"، ويمكن إجمال الوضع القانوني لفلسطين وفقا للقانون الدولي في فترة الانتداب وإلى يوم 15 أيار 1948 كما يلي: في أثناء سريان الانتداب تمتع شعب فلسطين بوضع دولي مستقل، كانت له السيادة على أراضيه، وكانت لفلسطين شخصيتها الخاصة المتميزة عن شخصية الدولة المنتدبة، وكانت إدارتها من حق شعب فلسطين نظرياً".

 

وبمجرد انتهاء الانتداب، "انتهت سلطات الإدارة التي كانت للدولة المنتدبة وترتب على هذا أن زالت القيود المفروضة على ممارسة شعب فلسطين لسيادته الكاملة، وأصبح شعب فلسطين بحكم هذا الحق وبحكم حقه في تقرير مصيره، مؤهلاً لأن يحكم نفسه ويقرر مصيره طبقا للمبادئ والأصول الديمقراطية المألوفة، كونه يمثل الأغلبية الساحقة في فلسطين، غير أن هذا الحكم لم تحترمه الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أوصت في سنة 1947 بتقسيم فلسطين وهذا لا يعني إطلاقا أن (إسرائيل) قد ظفرت بالسيادة القانونية على فلسطين، كما يتجاهل القرار رغبات الشعب الفلسطيني تجاهلا تاما ويتصرف على النقيض من مشيئة أغلبية السكان، ومن ثم فان قرار التقسيم يفتقر إلى "كل سند قانوني، وهو ليس داخلا ضمن سلطة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يسعه أن يسبغ على (إسرائيل) أي حق على أي جزء من فلسطين مما خصص للدولة اليهودية في قرار التقسيم، والنتيجة فان (إسرائيل) لا يسعها أن تستمد من قرار التقسيم أي حق مشروع".

                            

وبهذا المعنى يعتبر قرار تقسيم فلسطين غير قانوني ولاغياً لأربعة أسباب:

أولاً: وفقاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة فإن مهمة أي انتداب، تهيئة الشعب المُنتَدَب لتقرير مصيره وتهيئته لبناء دولته المستقلة، واذا عجز عن ذلك، يتم تشكيل نظام وصاية دولية خلفاً للإنتداب لحين بلوغ الشعب المنتدب القدرة على إدارة نفسه، إلا أن الأمم المتحدة لم تفعل هذا ولا ذاك مع الإنتداب البريطاني على فلسطين (1948-1918).

 

ثانياً: لا تملك الجمعية العامة إجراء أي تعديل أو تغيير في صك الإنتداب. حتى وإن رأت الجمعية العامة وحسب النصوص أن خير حل للقضية الفلسطينية هو التقسيم، فلا يعتبر ذلك قراراً ملزماً لأحد وإنما يكون ذلك اقتراحاً منها وتوصية غير ملزمة صدرت وفقا للمادة العاشرة من ميثاق الامم المتحدة. وهذه التوصية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تمس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، ومن عجب أن دولة الاحتلال وحلفاؤها إذ يتمسكون بهذا القرار – التوصية – ويضفون عليه صفة الإلزام القانوني المطلق، ولا يقيمون وزنا لأي من قرارات الجمعية العامة اللاحقة الخاصة بفلسطين وشعبها وحقوقه الثابتة مدعين أنها مجرد توصيات لا إلزاما قانونيا لها ! .  

 

ثالثاً: وفقاً للنصوص، لا يحق للأمم المتحدة أن تنشئ دولة جديدة، أو أن تلغي دولة قائمة، لذلك صدور القرار 181 بتقسيم فلسطين وانشاء دولتين غير قانوني.

 

رابعاً: في شهر آذار 1948 تراجعت الولايات المتحدة عن فكرة التقسيم، وأعلن مندوبها سحب حكومته لتأييدها مشروع التقسيم لأنه "لا يمكن تنفيذه إلا بالقوة"، واقترح وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية وإعادة القضية الى الأمم المتحدة للنظر فيها على هذا الأساس، وتقدمت الولايات المتحدة بهذا المشروع رسمياً في مجلس الأمن وقد وافق المجلس على المشروع الأمريكي بالإجماع وأصدرت الجمعية العامة في 14 ايار 1948 قرارها بإعفاء فلسطين من أية مسؤوليات نصت عليها المادة الثانية من قرار التقسيم، أي أنه حتى لو كان من حق الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تقرر تقسيم فلسطين لإنشاء دولة جديدة لشتات الصهاينة على أنقاض دولة قائمة، فقد تراجعت هي ذاتها بعد ذلك عن قرارها.. مما يجعله لاغياً.
وبهذا يعتبر القرار 181 لاغ إذ يتعارض مع أحكام القانون الدولي التي جاء  بها ميثاق الأمم المتحدة، ذلك لعدم صلاحية الجمعية العامة للأمم المتحدة إصداره، ولتجاوزه حدود نظام الوصاية الدولية، ولعدم قانونية الاجراءات التي تم بموجبها اعتماده وتنفيذه".

 

فكرة مناسبة يوم التضامن

في 2/12/1977 اعتبرت الجمعية العامة للامم المتحدة ذكرى تقسيم فلسطين يوما للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، لكن ضرورة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني كان من المفترض ان ياخذ طابعا عمليا مع وعد وزير خارجية بريطانيا ارثر بلفور في 2 تشرين ثاني / نوفمبر 1917 (وعد من لا يملك لمن لا يستحق) ليشكل مفصلا استراتيجيا لضرورة الاهتمام وتفعيل التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي بات مهددا في القتل والتهجير ومصادرة الاراضي والممتلكات، ومع تفكك وانهيار الدولة العثمانية ووقوع الانتداب البريطاني على فلسطين في العام 1918 باتت مسألة التضامن العالمي طلبا استثنائيا وملحا ذلك تزامنا مع ما كان يمارسه الانتداب من عمليات قهر وظلم بحق ابناء الشعب الفلسطينني، وغض الطرف عن ارتكاب العصابات الصهيونية للمجازر بحق الشعب الفلسطيني، وتهريب الاسلحة لتلك العصابات (الهاجانا، والشتيرن والارغون..) والذي كان يأتي من روسيا ومن تشيكوسلوفاكيا تحديدا والتي كانت تحت سلطة الاتحاد السوفياتي سابقا، عدا عن تسهيل لهجرة اليهود الى فلسطين، الامر الذي ادى بنتيجته الى تهجير ثلث الشعب الفلسطيني قبل قيام (دولة اسرائيل) في 15/5/48 فمن مدينتي حيفا ويافا وحدها تم تهجير حوالي 130 الف فلسطيني، الا ان حاجة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني بلغت اوجها عند وقوع مسألتين، الاولى مع تسبب الكيان الصهيوني ومعها الامم المتحدة بنشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين، إذ تشير الإحصاءات إلى التسبب بهجرة حوالي 935 ألف فلسطيني بعد النكبة ليصبح عددهم حوالي 8 ملايين لاجئ ونشوء وكالة أممية خاصة بهم هي وكالة "الأونروا" في 8/12/1949، والثانية قبول (دولة اسرائيل) في هيئة الامم المتحدة الذي كان بمثابة اعتراف جماعي بدولة الاحتلال، خاصة اذا علمنا بان دولة الاحتلال قد مارست خدعة دولية سعيا الى قبولها عضوا في الامم المتحدة، فقد تقدمت (اسرائيل) وبعد سنة كاملة على صدور قرار التقسيم وتحديدا في 29/11/48 بطلب الى الامين العام للامم المتحدة للانتساب الى هيئة الامم وفي 17/12/48 رفض الطلب من مجلس الامن على اساس ان الدولة الجديدة لم تستوفي الشروط اللازمة التي ينص عليها ميثاق الامم المتحدة، وتقدمت بطلب اخر في 24/2/49 وحصلت على "توصية" من مجلس الامن في 4/3/49 وفي 11/5/1949 ووافقت الجمعية العامة للامم المتحدة على التوصية وقبلت (اسرائيل) بالدولة رقم (59) في الامم المتحدة الامر الذي يشكل اعترافا جماعيا بها، الا ان قرار قبول العضوية كان مشروطا بالتزامها بميثاق الامم المتحدة، وتطبيق قرار التقسيم والقرار 194 في 11/12/1948، فكانت الدولة الوحيدة التي قبلت عضويتها مشروطة، وفي اليوم التالي مباشرة اي في 12/5/49 عقد مؤتمر لوزان الذي تضمنت بروتوكولاته "اعتراف اسرائيل بحق الفلسطينيين بالعودة وتعهدها بتطبيق قرار التقسيم"، وتظاهرت (اسرائيل) باستعدادها لتنفيذ القرارين، وفي تحد سافر للمنظومة الدولية لم تلتزم بتنفيذ القرارين او قرارات الامم المتحدة اللاحقة. واثبتت ولا تزال وعلى مدى اكثر من 7 عقود من الزمن عدم احترامها للاتفاقيات والمعاهدات والمبادئ الدولية التي تتضمن معاقبة من يمارس سياسة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين، وينتهك الاعلان العالمي لحقوق الانسان، او ينتهك الاتفاق الخاص بشؤون اللاجئين في جنيف، او التنكر للعهد الخاص بحقوق الانسان المدنية والسياسية، اضافة الى عدم التزامها بتطبيق البروتوكولات الخاصة باللاجئين الفلسطين (حق العودة، حق التعويض، استعادة الممتلكات، حق تقرير المصير، حق الشعوب في اختيار من يمثلهم).

 

يبدو بان محاولات الامم المتحدة لا سيما الدول الاوروبية منها للتكفير عن ذنبها باضطهاد اليهود ابان الحرب العالمية الثانية في العام 1945 من خلال تسهيل هجرتهم الى فلسطين وتوفير كافة مستلزمات الدعم المالي واللوجستي وتامين الغطاء السياسي والقانوني للهجرة، لم يكن الا ليوقع تلك الدول في مشكلة استراتيجية اخرى بتسهيل الاعتراف باقامة (دولة اسرائيل) والتسبب بنشوء اكبر مشكلة لاجئين في التاريخ المعاصر، الامر الذي لا تزال تدفع ثمنه تلك الدول غاليا، خاصة على مستوى احترامها وتطبيقها للاعلان العالمي لحقوق الانسان والمعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة، الا ان تلك الدول ومعها الاحتلال الاسرائيلي آنذاك استطاعت ان توظف تلك المشكلة وتعتبرها فرصة لتحقيق مخططاتها، لذلك وتحت تاثير التعاطف العالمي مع اللاجئين الفلسطينيين وللتخلص من عبء تحمل المسؤولية الدولية والتخفيف من الضغط الشعبي على صانعي القرار اتخذت الجمعية العامة القرار رقم 212 لتاريخ 19 تشرين الثاني / نوفمبر 1948 بإنشاء صندوق خاص بإغاثة اللاجئين، ثم استبدلته بوكالة "الأونروا" وفقا للقرار رقم 302 في 8/12/1949، واستقر عرفا أن وجود الوكالة مرتبط بايجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين تنفيذاً للقرار 194 لسنة 1948، وبذلك لم تكن "الأونروا" من الناحية القانونية والعملية مجرد وكالة للإغاثة فقط، بل كان لديها إلى جانب الإغاثة المباشرة والمستمرة، البدء في برامج التشغيل العامة التي اقترحتها بعثة المسح الإقتصادي (لجنة كلاب)، والتي تهدف إلى "إعادة دمج" اللاجئين في الحياة الإقتصادية في منطقتنا، وبالتالي إخراجهم من قوائم الإغاثة وتسهيل عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها.

اكتسبت "الأونروا" أهميتها القانونية والسياسية كونها ارتبطت منذ إنشائها بحق عودة اللاجئيين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين المحتلة، فقد تضمن القرار 302 لسنة 1949 المنشىء للأونروا، إشارة صريحة وواضحة إلى حق العودة في 3 مواضع تغطي بنود القرار حيث ذكرت الفقرة 11 من القرار 194 في الديباجة وفي الفقرة 5 وفي الفقرة 20، وهذا حتما له دلالة خاصة في التأكيد على الارتباط الوثيق بين "الأونروا" وحق العودة.

 

التضامن ويقظة الضمير

لكن هل شكل تاريخ 2/12/1977 يقظة ضمير للامم المتحدة للتكفير عن ذنب اقترفته بحق شعب كامل من خلال انشاء "دولة اسرائيل" والتسبب بقضية اللاجئين، لكي تعتبر تاريخ تقسيم فلسطين يوما للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ولماذا لم تختر مثلا ذكرى نكبة فلسطين ان يكون يوما للتضامن؟ ولماذا في العام 77 ولم يكن قبل او بعد ذلك التاريخ، خاصة اذا علمنا  بان الفارق بين ذكرى التقسيم ويوم التضامن ثلاثة عقود كاملة؟

 

الملفت بانه وفقا لمبررات ومقدمات صدور قرار يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وفي الصفحة رقم 48 فقد ذكر حرفيا بان قرار الجمعية العامة جاء بعد ان "نظرت (الجمعية) في تقرير اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، وقد استمعت الى بيان منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة الشعب الفلسطيني واذ تشعر بقلق عميق لعدم تحقيق حل عادل لمشكلة فلسطين ولكون هذه المشكلة لا زالت، وبالتالي تؤدي الى تفاقم النزاع في الشرق الاوسط الذي تمثل لبه والى تعريض السلم والامن الدوليين للخطر" (6)، الامر الذي يشير الى ارتباط بين التحول المفصلي للمسار السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وفتح ابواب الولايات المتحدة الامريكية للمرحوم ياسر عرفات والقائه خطاب تاريخي امام الجمعية العامة في نيويورك في 13/11/74 من جهة وبين صدور قرار يوم التضامن من جهة اخرى، فقد اعلن عرفات حينها ولاول مرة عن ان الدولة الفلسطينية ستقام على حدود الرابع من حزيران عام 67 وبهذا تم الاعتراف (بدولة اسرائيل) والتخلي عن 78% من أرض فلسطين، بعد ذلك تتالت "المكافآت" لمنظمة التحرير "الجديدة" واولها كان صدور القرار التاريخي رقم 3236 عن الجمعية العامة للامم المتحدة بعد تسعة ايام فقط من خطاب عرفات وتحديدا في 22/11/1974 حيث تم تبني القرار بموافقة 89 دولة مقابل 8، وامتناع 37 . ويؤكد القرار على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ومن ضمنها:

1-    حق تقرير المصير دون تدخل خارجي.

2-    حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والسيادة الوطنية

3-    حق الفلسطينيين الثابت في العودة إلى ديارهم وتدعو الجمعية العامة إلى إعادتهم اليها.

4-    تعترف الجمعية العامة بان الشعب الفلسطيني هو طرف أساسي في  تحقيق سلام عادل وثابت في الشرق الأوسط وتعترف بحق الشعب الفلسطيني في إعادة حقوقه بجميع الوسائل طبقا لاهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتدعو جميع الدول في العالم إلى زيادة مساعدتها للشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل استرداد حقوقه المشروعة.

 

ذلك بهدف الايحاء بان "الخطوات الجادة باتجاه السلام"، اي الاعتراف بحق الاحتلال الاسرائيلي بالوجود على ارض فلسطين وبتقديم المزيد من التنازلات سيمهد للاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني واقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 67 وهذا ما نص عليه بعد ذلك مؤتمر مدريد واتفاق اوسلو واتفاقية جنيف وغيرها.. الا ان ذلك لم يكن الا حبرا على ورق واعطاء المزيد من الوقت للاحتلال الاسرائيلي لتحقيق مزيد من المكاسب على الارض، وللمزيد من الاغراءات والحث على المزيد من التنازلات، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1974، وضم ممثلي المنظمة إلى عضويتها على اعتبار أنها عضو مراقب، وكذلك اقرت الجمعية العامة بحق م.ت.ف الاشتراك في جميع مؤسسات الأمم المتحدة ومؤتمراتها الدولية…..وقد صدر هذا القرار اي 3236 بأغلبية (90) ضد (17) وامتناع (19) دولة عن التصويت". وتكريسا للقرار 3236، صدر القرار رقم 3376 عن الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 10/11/1975 ، بإنشاء اللجنة الدولية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف.

 

خاتمة

يحتاج الشعب الفلسطيني الى اليوم العالمي للتضامن، فقد نجح الفلسطيني على مستوى مؤسسات المجتمع المدني ومختلف المشارب السياسية والمجتمع المحلي، باستثمار هذه المناسبة وعمل على تحويلها الى فرصة يستطيع من خلالها ان يقدم للعالم قضيته العادلة وتوضيح ما جرى من مراحل لعبت دورا في صدور قرار التقسيم وضياع الارض وقتل وتهجير السكان واستجلاب ملايين اليهود من مختلف بقاع الدنيا ليحلوا مكان الفلسطينيين في فلسطين وكيف تفوقت حينها قوة الاحتلال وحلفاء الاحتلال على قوة الحق، ونتيجة لهذا التضامن بات الفلسطيني يحقق النجاحات تلو النجاحات وعلى المستوى العالمي، وما العزلة الدولية التي يعيشها الاحتلال الاسرائيلي في الوقت الحالي، الا نتيجة لحركة التضامن العالمية التي تتخذ منحا تصاعديا لتضم برلمانيين وسفراء دول ورؤساء ووزراء سابقين واكاديميين وفنانين وكتاب وصحفيين...ومن جنسيات مختلفة، وادراك المجتمع الدولي لحقيقة الاحتلال، وما الوعي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ومعه اصدقاء من مختلف الجنسيات والاعراق والديانات الا نتيجة لذلك التضامن.

 

يحتاج الشعب الفلسطيني الى البناء على سنوات العمل التراكمي من التوعية بالقضية الفلسطينية عموما وقضية اللاجئين وحق العودة على وجه الخصوص، الذي سيصل يوما الى الذروة من خلال عملية تثقيف وتوعية الاجيال الصاعدة والواعدة ابناء الجيل الثالث والرابع في اماكن اللجوء والشتات والمنافي، وتعريف الاجيال الاخرى من ابناء الجنسيات الاخرى على الرواية الفلسطينية الحقيقية وطمس جميع معالم الرواية الصهيونية المزيفة، ومع تلك الحركة التضامنية العاليمة باتت الامم المتحدة تدرك ان العودة الى الوراء والاستفراد بالحق الفلسطيني ضربا من المستحيل، فالعالم يتغير وزوال الاحتلال الاسرائيلي ليس اسثناء.

 

هوامش:
(1)
:ارشيف الجمعية العامة للامم المتحدة من صفحة 48 ولغاية صفحة 50
(
http://daccess-dds-ny.un.org/doc/RESOLUTION/GEN/NR0/796/48/IMG/NR079648.pdf?OpenElement)
(2)
: جاء في رسالة بانكي مون في بمناسبة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 /11/ 2010 "ولتكن السنة المقبلة هي السنة التي نحقق فيها أخيرا سلاما عادلا ودائما في الشرق ‏الأوسط استنادا إلى قرارات مجلس الأمن 242 و 338 و 1397 و 1515 و 1850، وإلى ‏الاتفاقات السابقة وإطار عمل مدريد وخريطة الطريق ومبادرة السلام العربية".
(3)
: الموسوعة الفلسطينية المجلد الاول الطبعة الاولى 1984 صفحة 557 .
(4)
: د. سلمان أبو ستة.

-----


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق