الخلاف لا يعني العداء.. التناقض الرئيسي والتعارض الثانوي

 


عبد معروف

يمر تاريخ الأمم والشعوب بمخاضات وتحديات مصيرية، وتتعرض لمخاطر جسيمة،  تشكل محطات هامة في تاريخها ومستقبل أجيالها .

ولا شك أن الهدف النهائي والرئيسي لمواجهة التحديات ومقاومة المخاطر الخارجية والداخلية، هو بناء الوطن الحر المستقل والمجتمع المنظم والمتطور المنتج، تسوده العدالة والمساواة ويتمكن الشعب من تأمين حياته المعيشية ويتوفر له الأمن والأمان والاستقرار والحياة الكريمة.

وبالتالي تكون أهداف المواجهة التي يخوضها الشعب، وقواه السياسية، هي إحداث ثورة عميقة في بنية المجتمع، تحرير الأرض من الاحتلال وتحرر الشعب والوطن من التبعية والتخلف والتجزئة وتحرر الانسان من الاضطهاد والاستغلال والجوع والجهل والحاجة والبطالة وكل ما يمس كرامته الانسانية والوطنية .

العدو الرئيسي لأية أمة وأي شعب هي القوى والدول والشخصيات التي تعرقل مسيرة تحرير الوطن وتتعاون مع الاحتلال وتشكل عقبة أمام تحديث المجتمع وحريته وتطور وعيه وانتاجه.

وبالتالي فإن أطراف العدو الرئيسي هي تلك القوى والدول والجهات الخارجية التي تحتل الأرض،  وتنهب الثروة الوطنية ، والأطراف المحلية التي تتعاون مع العدو الخارجي.

وإذا كان الاحتلال الاسرائيلي ومعه الإمبريالية العالمية بكل أطرافها وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، تحتل الأرض وتنهب الثروة وتسيطر على الحياة العامة في بلادنا وتمنع الوحدة والتطور وتمارس كل أنواع القتل والتدمير والاغتيال فإن الاحتلال الاسرائيلي والامبريالية العالمية القديمة والصاعدة ومن يتعاون معها تشكل عقبة أمام تحرير الوطن وحريته وتطوره وبالتالي هي العدو الرئيسي والاساسي، ولا يمكن هزيمة هذا العدو إلا بالصراع .ولا يمكن مواجهته وهزيمته إلا بالكفاح الشعبي المسلح والمقاومة في ميادين القتال .

وإذا كانت الأوضاع أحيانا تفرض مفاوضات أو اجتماعات، فكل ذلك يأتي في إطار المشروع الثوري المقاوم الرافض كليا لوجود الاحتلال وسيطرته ولا يكون في إطار التراجع والترهل وتقديم التنازلات.

وهذا الصراع عدائي وتناحري، وطويل وشاق ومرير، لذلك فهو يتطلب أولا وحدة الصف الوطني ويتطلب الحشد والتنظيم ويتطلب وعيا وطنيا في صفوف الشعب .

وخلال مسيرة النضال والثورة لمواجهة العدو الذي يحتل الأرض ويسيطر على الثروة ويمنع التطور والانتاج هناك خلافات تبرز في المسيرة الوطنية، خلافات على التفسير وأساليب العمل والمواجهة، وكيفية التصدي، خلافات حول طرق النضال، وهذه خلافات ثانوية وهامشية ويشكل تصاعدها عرقلة للمسيرة الوطنية العامة وتساهم في تفتيت الصفوف والانقسام وتصاعد التناحرات والخلافات وهذا يعني أن هناك ضرورة لعدم تصعيد الخلاف الثانوي على حساب الصراع والتناقض الأساسي مع العدو الرئيسي.

في الكثير من الأحيان ونظرا لطبيعة الأحزاب والقوى على امتداد الأمة، هناك من يعتقد أن الذي ليس معه هو عدوه، ومعادي له،لكن حقيقة يجب أن نراها جيدا حتى لا نتخلي عن ميادين الصراع الرئيسي، هناك فارق كبير بين الوطني والثوري، وهناك خلافات يمكن لها أن تولد بين أبناء الصف الواحد، الوطني هو من لديه مشاعر وطنية وينتمي إلى وطنه ويرفض التعاون والتعامل مع الاحتلال، لكنه عاجز عن المشاركة في العمل الوطني المقاوم للاحتلال، أما الثوري فهو من يعمل ويتحرك ويناضل بشكل عملي ضد الاحتلال وأعوانه وعملائه، طبعا هناك فارق كبير بين الفكر الوطني والممارسة الثورية، لكنهما ليسا في حالة صراع. 

كما أن المشروع الثوري والوطني ضد الاحتلال وأعوانه هناك أيضا خلافات وتعارضات في وجهات النظر وأساليب وطرق المواجهة، وهذا تعارض طبيعي وثانوي وهامشي، يعالج بالحوار الديمقراطي مهما كانت العقبات والعراقيل، أما التناقض والصراع الرئيسي مع الاحتلال والسيطرة فهو صراع عدائي.

برزت خلال السنوات الماضية أفكار وممارسات خاطئة شوهت المفاهيم وساد خلالها الاختلاط، فتصاعد الخلاف الثانوي إلى مستوى الصراع الرئيسي والتصفية والالغاء، وتراجع الصراع الرئيسي مع الاحتلال وأعوانه إلى مستوى الصداقة والمفاوضات والتحالف .

لقد أدت هذه التشوهات في المسيرة النضالية العامة إلى استنزاف طاقات الأمة، والابتعاد عن ميادين الصراع الرئيسي والدخول في ميادين الخلاف الثانوي وتأجيجه ليصبح صراعا رئيسيا، ما أدى إلى تعزيز قوة كيان العدو وجعله الأقوى في المنطقة، وكرس حالات الانقسام والتجزئة، وجعل من القوى السياسية ضعيفة وتعيش حالة أرباك وترهل وتفكك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق