زكريا الزبيدي عنوان ونموذج

 

الحاج رفعت شناعة

تعرَّفنا إليه في اجتماعات المجلس الثوري من خلال مداخلاته البعيدة عن التنميق والتبجيل، وهو إنسان متواضع قليل الكلام، لكن وجهه ونظراته الحادة تقول: أنا الفدائي، أنا ابن فتح ينبوع الثورة والشهامة، أنا من الرعيل الصاعد الذي تعلَّم من الإنتفاضات، وجولات القتال والمواجهات، بأن الثورة عطاء، وأن الوطن خزان رجولة، ومعجمٌ للشهداء، والأسرى والجرحى، وهو لا يجف ولا ينضب، لأنَّ تعاقبَ الأجيال يبشِّرُ بالخير المنبعث من الآمال.
زكريا الزبيدي الذي خَبر المعتقلات وخبرته، والتي تعلَّمتْ منه، وعلَّمتهُ بأن الحياةَ وقفةُ عزٍ وكرامة، آثر على نفسه عندما اعتقلته سلطات الاحتلال النازية بأن يجعل من نفسه غازياً وليس زائراً، صانعاً للتاريخ، وليس فقط كاتباً، أو قارئاً. أراد الاحتلال أن يجعل من المعتقل مصدر استنزاف للعنفوان الثوري، وتهميش للمسيرة الثورية، ودَفْنٍ للتراث في مقابرَ مجهولة، لكنَّ الصرخةَ انبعثت من أعماق زكريا الزبيدي ورفاقه، ومن جوف المعتقل والزنزانة بأننا لن ننامَ على ضيم، واذا كان لكل مخلوق روح، فنحن روح المقاومة. المناضل زكريا الزبيدي في هذا الموقف التاريخي المتفاعل أكد بأن حركة فتح الرائدة انطلقت ولن تتراجع، أقسمت ولن تتخلى، والنضال والجهادُ يُعشّشُ في خلايا دماغنا.
زكريا الزبيدي ابن مدرسة جهادية أسسها أبو جهاد خليل الوزير، وهذه العظمة تبرز اكثر ما يمكن عند الشدائد، والملمات، وعند الاستعصاءات، والاختناقات، وعندما يكون القائد في مرحلة عدِّ الأنفاس، ومحاولة فتح الآفاق يبرزُ زكريا قيادياً مخضرماً ينقصه السلاح والذخيرة، ولكنه يتسلَّحُ بالإرادة، والإيمان وبما هو موجود بين يديه وتحت قدميه، وتبرز الملعقة أداةً من أدوات الحفر في التراب، وصناعة الأنفاق تحت الأرض.
لقد أثبت زكريا الزبيدي وأخوته من حركة الجهاد الإسلامي في هذا العمل البطولي وشبه الخيالي، بأنَّ الايمانَ المطلق بالله سبحانه هو السلاح الأقوى، والأشد فعالية في تركيع قادة الاحتلال، ورسالة الأسير زكريا إلى إخوته في حركة فتح أينما كانوا، سواء في المعتقلات، أو وجهاً لوجه ضد جنود الاحتلال، أو جنوداً يسهرون على أمن وسلامة أهلهم، أو حماةً للقدس وأحيائها، وهم يحملون أرواحَهم على أكفهم، ودائماً ينظرون إلى الأمام.
وكأنّ زكريا الزبيدي يقول لقادة وأبناء حركة فتح، ومن جوف الزنزانة، ومن تحت الأرض، ومن النفق حيث لا هواء، ولا ماء ولا ضياء، ولا آلات جبارة تحفرُ الأنفاق، وانما لا تنحرف عن وجهتها، وعلى مدار عامٍ ويزيد، وهو يحفر مع رفاق العمر، وهو يصرخُ بوجه الجميع، وعلى مسمع الجميع:
تذكَّروا فقد بدأنا المشوار حفاةً عراةً، ونتقاسمُ لقمةَ العيش هناك في الكهوف، والمغاور، وبين الصخور والخنادق، ولم نعرف شيئاً اسمه راتب شهري، وحتى لا نعرف أسماء بعضنا الحقيقية، فكلها اسماء حركية من سجل الخالدين، ويومها كان القائد والمسؤولُ ينام جنباً إلى جنب مع عناصره إذا رأى أحدَهم جائعاً أو محتاجاً ينتزع ما لديه، ويقدمه لأخيه المقاتل، نعم زكريا الزبيدي وأخوته لا يحملون مئات آلاف الدولارات، ولا الامتيازات، ولا يوزعون الرتب كما يشاؤون، ولا يوزعون الموازنات إلاَّ ضمن النظام والأصول الحركية والاستحقاق، هكذا كان القادة العظماء والمؤسسون، وما زالت أسماء هؤلاء ترددها الأجيال جيلاً بعد جيل مع مزيد من الاحترام، والتبجيل، والتقدير، بلال الأوسط وجواد أبو الشعر، وعلي أبو طوق، والحاج حسن الطوباسي، ومحمد علي، وغيرهم كثيرون نعم لقد أيقظ زكريا في داخلنا الكثيرَ مما نريد قولهَ في حضور هذا القائد الذي لم يتخرَّج من الجامعات والكليات العالمية ، ولكنه درسَ، وترقىَّ، وتكونت شخصيتهُ القيادية، وبكل امتياز من جامعة حركة فتح التي بناها وأسسها العظماء، والمؤسسون لهذه الحركة الرائدة والعملاقة والتي ما زالت على مبادئها، وهي التي قادها الرمز ياسر عرفات وثلةٌ مباركةٌ من رفاق دربه في هذه المسيرة المعقدة، وما زالت فتح يقودها المؤتمن على الثوابت الوطنية الرئيس محمود عباس أبو مازن، والمشوار طويل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق