نعمت قدورة: هكذا حُرمتُ من التعليم

 

العربي الجديد- انتصار الدنان
27-09-2021
خرجت اللاجئة الفلسطينية نعمت قدورة من بلدتها سحماتا حين كانت في الثالثة من العمر. لا تذكر من يوم الواقعة إلا أنها كانت تسمع صوت هدير الطيران في السماء وانتشار الدخان الأسود. تقول "أم عصمت" التي تعيش في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت لـ العربي الجديد": "كنت أسمعهم يقولون قصفت الطائرة، نظرنا نحو السماء ورأينا دخاناً أسود يملأها. أعرف أنّ العدو الصهيوني احتل بلدتي بسرعة. تركنا بيتنا وكنت وحيدة لأهلي حينها، وخرجنا مع أفراد من عائلتي إلى منطقة مارون الراس جنوبي لبنان، حيث بقينا أياماً معدودة، ومن هناك توجهنا نحو منطقة المعشوق في جنوب لبنان أيضاً، وقصدنا الخيام للسكن فيها. ثم رفضت أمي البقاء وغادرنا الى مدينة بعلبك شرقي لبنان التي مكثنا فيها شهرين، ثم توجهنا إلى منطقة برج حمود في بيروت التي بقينا فيها سنتين، حين كنا نبيت في بستان لخوري عمِل والدي عنده".
تضيف قدورة: "عندما بلغت الخامسة من العمر أراد والدي أن يدخلني المدرسة. وفي منطقة برج حمود لم يكن يوجد مدارس للفلسطينيين، فاضطررنا إلى الانتقال إلى مخيم تل الزعتر، حيث افتتح والدي دكاناً صغيراً للسمانة. وبقيت وحدي من دون إخوة حتى بلغت الحادية عشرة من العمر". لدى حديثها عن المدرسة تذرف قدورة الدموع، وتقول: "تركتها في الصف الخامس الإبتدائي، لأن أمي لم تسمح لي بمتابعة تعليمي بحجة الظروف المادية. لكن السبب الفعلي كان أنها تريدني أن أعاونها في أعمال المنزل وأن أهتم بإخوتي. أمي كانت عنيدة جداً، ولم ترضخ لطلب أستاذي ومدير المدرسة اللذين أتيا إلى بيتنا لإقناعها بإعادتي، مع تكفل مصاريف تعليمي. كما ساهمت جدتي لأبي في هذا الأمر، وخاطبت أبي قائلة: تريدها أن تتعلم حتى تكتب رسائل للشباب؟ وبهذه الطريقة خسرت تعليمي، رغم أنني كنت متفوقة بالدراسة ورغبت في التعليم".
وتتابع قدورة: "بعدما تركت المدرسة بقيت في البيت لأساعد أمي في تربية إخوتي الذين أنجبتهم بعد أحد عشر عاماً، وهم خمسة فتيان وأربع فتيات. خلال تلك الفترة قسا المرض على والدي وجعله ييقى نائماً بشكل دائم. لم يكن معنا مال لمعالجته، فقد كان يحتاج إلى إبر ثمن الواحدة منها 50 ليرة لبنانية في حينها. ثم استطاعت طبيبة كانت موظفة في عيادة لوكالة أونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) تأمين الإبر من فرنسا، واستلمتُ العمل في الدكان مكان والدي حتى شفي من وعكته، فقد عملت في سن صغيرة جداً، وقبل أن أتزوج اعتنيت بأبقار كان والدي يربيها ويعتاش منها، ثم بعناها حين مرِضَ".
عن زواجها تقول قدورة: "حصل ذلك حين كنت في العشرين. امتلك زوجي فرناً في مخيم تل الزعتر، فعملت إلى جانبه. وخلال أحداث المخيم استشهد زوجي وترك لي خمسة أولاد. خسرنا كل ما امتلكناه وتركنا كل شيء خلفنا وغادرنا إلى مخيم الرشيدية، جنوب لبنان، وكان منزلي يُستخدم للتدريب العسكري الخاص بحركة فتح، فانكشف الأمر، وقصف طيران العدو منزلي فانتقلت للعيش في منطقة الدامور إلى الجنوب من العاصمة بيروت، لكنني بقيت في الحركة، وعملت أيضاً في زراعة قطعة أرض كانت بقرب منزلي". وعن مرحلة ما بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، تخبر قدورة: "تركت الدامور إلى منطقة الفاكهاني في بيروت، والتقيت ابني من جديد، وسكنت في بيت لحركة فتح على قطعة أرض اشتراها الزعيم الراحل ياسر عرفات، وقدمها إلى جمعية البر والإحسان. سكنت في ذلك البيت 11 سنة تقريباً، عملت خلالها في الخياطة والأشغال اليدوية من تطريز ونحت سيراميك. وفي عام 1993 أخرجتنا الجمعية من المنزل، فجئت إلى مخيم برج البراجنة واشتريت المنزل الذي أسكنه، وكان أرضاً بوراً دفعت ثمنها ثلاثة آلاف دولار، وبنت لي أونروا غرفتين ومطبخاً وحماماً".
وتكمل قدورة: "ما زلت أتقاضى راتباً من حركة فتح إضافة إلى راتب زوجي الشهيد. أهتم بالزراعة، فقد قدمت لي مؤسسة جفرا بذوراً وشتلات أهتم بها حتى لا أبقى بين أربعة جدران، كما أعتني بالدجاجات التي أمنتها المؤسسة لي، وبنت قفصاً خاصاً بها. أولادي الصبيان الثلاثة لم يتابعوا تعليمهم بسبب حصار المخيم، بعدما وصلوا إلى صف البكالوريا. ظلوا يعيشون أربع سنوات في مخيم مار الياس بالسر لأنه كان أكثر أماناً من منزلنا. نعيش حالياً ظروفاً صعبة، إذ أعيش مع ابن وحيد مريض، وابني الثاني يعيش مع عائلته خارج المخيم، والثالث استشهد في حرب المخيمات. أما عن البنتين فإحداهما تعمل مترجمة في قناة تلفزيونية في السويد، وتعلمت الثانية أيضاً، لكنها تركت العمل قبل خمس سنوات".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق