التشتت القيادي والسياسي سيد الموقف؟!

 

معتصم حمادة

عضو المكتب السياسي

للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

 خلافاً لما كنا نعتقده، وراهنّا عليه، بأن انتصارات معركة القدس، بشقيها الشعبي والقتالي العسكري، سوف تنقلنا إلى مربع جديد ومتقدم في مسار المواجهة الطويلة مع الاحتلال الإسرائيلي، وجدنا أنفسنا نخطو خطوة، بل ربما أكثر، إلى الوراء، وأن الانقسام الذي اعتقدنا أنه وصل إلى محطته الأخيرة سوف يشهد نهايته هذه المرة، وسوف نستعيد الوحدة الداخلية، وننطلق نحو إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بما يتناسب مع نتائج المعركة، خاصة على الصعيد الدولي، حيث ظهر الانحياز هذه المرة، متجلياً بأرقى صوره لصالح قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، بما يفتح آفاقاً جديدة لفرض المزيد من العزلة على دولة الاحتلال، وفرض وقائع ميدانية جديدة لصالح المشروع الوطني الفلسطيني. خلافاً لهذا كله، تعمق الانقسام أكثر فأكثر وهو، بفعل سياسات ومناورات إسرائيلية وأميركية، يكاد أن يتحول إلى إنفصال شبه نهائي. كما أن طرفي الانقسام، ذهب كل منهما بسلطته بإتجاه خاص به، وافترقا بذلك عن مسار المشروع الوطني، لصالح مسارات فئوية، خاصة بكل منهما، أهدافها الحفاظ على السلطة وما توفره من نفوذ اجتماعي ومكاسب ومغانم، وانزياحات طبقية، ونشوء جماعات وشرائح، باتت مصلحتها الرئيسة الحفاظ على الوضع السائد، في رهان على تحول، يكون في نتائجه لمصالحها وتعزيز موقعها في المعادلة السلطوية.

 فحماس (أولاً) حين ذهبت إلى حوار القاهرة، الذي دعت له العاصمة المصرية، تمهيداً لإطلاق حوار وطني شامل، لرسم استراتيجية ما بعد معركة القدس، قدمت ورقة انقلابية على مسارات الحوارات السابقة، بات فيها جلياً أنها ترسم، من وراء ذلك إلى قطف سريع لما اعتبرته نصرها المزدوج، على الاحتلال وعلى السلطة في رام الله من جهة أخرى، ورأت أن الوقت قد حان لتتقدم الصفوف لتحتل موقعها شريكاً لفتح في مؤسسات م.ت.ف، وفي السلطة، أي في شرعية التمثيل الفلسطيني على الصعيدين العربي والدولي، وأن تغادر موقعها كـ «سلطة أمر واقع» لتصبح سلطة شرعية، يحتل فيها إسماعيل هنية مكانه إلى جانب محمود عباس، ويحيى السنوار موقعه إلى جانب محمد إشتيه وأحمد بحر موقعه إلى جانب سليم الزعنون.

ولتضمن حماس الوصول إلى أهدافها، اقترحت إعادة صياغة هيئة الحوار كما كانت [13 فصيلاً وعدداً من المستقلين] بإضافة الإطار المسمى «فصائل المقاومة»، وبحيث يكون لحماس [متحالفة مع الجهاد الإسلامي] «كتلة» خاصة بها، في مواجهة كتلة فتح، كجبهة النضال، والعربية  والعربية الفلسطينية وغيرها.

وبدلاً من استعادة خطة إعادة البناء المؤسساتي، كما رسمتها حوارات القاهرة [وانقلبت عليها قيادة السلطة في رام الله بذريعة ضمانات القدس] تقدمت حماس بآلية جديدة، تعتبر م.ت.ف هي المدخل لإعادة البناء، وتقصي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بحيث تجد الحالة الفلسطينية نفسها أمام تشكيل قيادي، تهيمن عليه حماس وحلفاؤها [أو على الأقل تكون شريكاً فاعلاً ومقرراً فيه] وبما يحول الانقسام إلى تقاسم بقوة الأمر الواقع.

أما فتح من جهتها، فكانت قد أدركت قبل الحضور إلى القاهرة، مدى الاختلال الذي أصاب العلاقات الداخلية لصالح حماس، حين عانت السلطة الفلسطينية أكثر من عشرة أيام من عزلة سياسية، تجاهلها فيها العالم، لإدراكه أنها خرجت من معادلة الصراع في تلك الأيام، لصالح معادلة جديدة بات فيها القرار بيد صواريخ قطاع غزة.

لذلك استبق الرئيس محمود عباس الأمور، وأطلق مبادرته للحل، باعتبارها هي الاستراتيجية السياسية التي تتبناها السلطة الفلسطينية، لتجاوز استحقاقات انتصارات معركة القدس وتداعياتها على موازين القوى بين الأطراف الفلسطينية، وبما يحفظ له الإمساك بزمام القرار السياسي بعد وقف إطلاق النار.

أطلق مبادرة من ثلاثة بنود: حكومة وفاق وطني مقبولة دولياً [أي مستبعد فيها الأطراف الموسومة بالإرهاب كحركة حماس].

استئناف مفاوضات الحل الدائم تحت رعاية الرباعية الدولية [أي العودة إلى الرعاية الأميركية] وأخيراً وليس آخراً حل متفق عليه لقضية اللاجئين، ما يفتح الباب للتخلي عن حق العودة، واستعادة سلسلة السيناريوهات الهابطة التي طرحت في هذا الشأن، منذ ما قبل كامب ديفيد 2(تموز/ يوليو 2000) بما في ذلك وثيقة «جنيف البحر الميت»، التي رست على حل سقفه «توفير مكان سكن دائم للاجئ الفلسطيني» بديلاً لحق العودة.

أما في مواجهة اقتراحات حماس لاستئناف الحوار في القاهرة، فقد اتخذت فتح موقفاً متصلباً، رفضت فيه الدخول في النقاش السياسي، إلا بما يخص إعادة بناء ما دمره الاحتلال في قطاع غزة، وأن تكون السلطة في رام الله هي مرجعية هذا الأمر، وليست حركة حماس.

وهكذا عاد طرفا الانقسام كل إلى ميدانه، حماس باتت منشغلة بإعادة الإعمار والمنحة القطرية والهم اليومي لتسيير الحياة في القطاع. وفتح [السلطة] بتوسلاتها لاستئناف المفاوضات مع دولة الاحتلال، والوقوع أكثر فأكثر في شرك «إجراءات بناء الثقة»، و«تقليص الصراع»، بينما يتم تحضير شرك مماثل لحماس، عنوانه «الأمن مقابل الغذاء».

إذا كان الطرفان قد «نجحا» في تبديد(؟) النتائج السياسية لانتصارات معركة القدس، فإن الإنتصار الأكبر، الذي لم ينجحا (ولن ينجحا) في تبديده، هو تلك الوحدة الوطنية الكبرى، التي عبر عنها الشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده، في جناحي الوطن [48+67] وفي الشتات ومناطق اللجوء. وهي وحدة مازالت تعكس نفسها بشكل يومي على مسار الحياة السياسية لشعب فلسطين.

ففي الـ 48 مازالت الحالة الوطنية الفلسطينية تعيش وطأة تداعيات ثورة الغضب، من اعتقالات تطال الفلسطينيين من سكان إسرائيل، إلى تعميق أكثر فأكثر للهوة بين الوجود اليهودي والوجود الفلسطيني، وتصاعد أكثر فأكثر في المشاعر الوطنية، حتى أنها تكاد أن تفرض نفسها حتى على القائمة المشتركة [منصور عباس] حيث بدأت تتصاعد أصوات من داخلها تدعو للخروج من الائتلاف الحكومي مع بنيت – لابيد، وهو ما يعني سقوط الحكومة الإسرائيلية والعودة إلى الأزمة السياسية للنظام في إسرائيل.

وفي الضفة الفلسطينية، مازالت بؤر الاشتباك الدائم مع الاحتلال دفاعاً عن الأرض ضد الاستيطان، تشعل نيرانها اليومية، حفاظاً على لهيب المقاومة الشعبية، والتي تأخذ أحياناً طابع العمليات الفدائية الفردية وفي القطاع يتبدى الصمود بأبرز تجلياته النضالية.

أما في الشتات، فمازالت شوارع أوروبا تشهد تحركات الجاليات الفلسطينية والعربية تضامناً مع تحركات الشعب الفلسطيني في أرجاء الوطن، أما المخيمات في لبنان وسوريا فلم تخمد يوماً عن التحرك دفاعاً عن الحقوق السياسية وفي مقدمها حق العودة.

ومما لا شك فيه أن أسبوع «نفق الحرية» شكل نموذجاً جديداً، لوحدة الشعب الفلسطيني، إذ لم تغب تحركات الوقوف مع الأسرى والتضامن معهم عن أي مناطق الوجود الفلسطيني.

ما يعني أن هذه الوحدة، التي تعمدت بدماء الشهداء والجرحى والعذابات والتي استندت إلى تطلعات وطنية، يختصرها المشروع الوطني في تقرير المصير والعودة والاستقلال، هي أقوى من مفاعيل الانقسام، وهي التي مازالت تشكل النقطة المضنية في ظلام الانقسام، وظلام التشتت القيادي والسياسي الفلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق