المستقبل اللبناني خلفنا ام أمامنا؟

 


نصري الصايغ

لبنان لن يموت ولكنه لن يحيا. التغيير يبدو بعيداً أو مستحيلاً. أعداء التغيير أقوياء ومستعدون لإجهاض أي مشروع متواضع. لقد أصبحوا الأصل ولا بديل لهم، إلا اشباههم. أي محاولة تغيير، يلزم ان تأتي من الخارج. هكذا اعتاد لبنان. رؤساء جمهوريته، يفوزون بأصوات مأمورة من الخارج. رؤساؤنا، في معظمهم، كانوا بتوصية آمرة من دولة أو دول، لها حق الإمرة والمشورة. والعصابات الحاكمة مطمئنة لهذا التدخل، الذي بلغ حد تسمية رئيس الوزراء، يجب أن تأتي إملاءً من عدد من الدول “الصديقة”. اللبنانيون يقيمون في منفى يدعى لبنان. السياسة اللبنانية يلزم أن تتنبه للإملاء الفرنسي والأميركي والإيراني والسعودي والسوري وا …. هلم جراً. ولا يشعر النواب بحرج أبداً. هم زبائن رخيصة عند دول ذات أنياب ومصالح.

يستحيل التغيير في هذا الكيان. الديموقراطية مطاردة ومطرودة، من كافة الدول العربية والإقليمية. الدول الغربية الديموقراطية، آخر همها، الديموقراطية في الدول المطيعة والبلا سيادة.  ولنفرض أن هناك بديلاً للطائفية السياسية في لبنان، فإن خليفتها، ليست الديموقراطية أبداً. البديل عن الديموقراطية هو “الدينوقراطية”، حيث لا مكان للمواطن أبداً. مكانة اللبناني الدائمة هي أن يكون الناطق الدائم، باسم طائفته ومذهبه ودينه. وهذا ليس وهماً أو تصوراً. الشواهد كثيرة: هناك معركة ضارية يدور رحاها في لبنان المحطم، حول لمن تكون وزارة الداخلية، للسنة أو للموارنة…. وهكذا دواليك. يحدث ذلك والناس في لبنان يلهثون بذل وتعذيب ومهانة وخوف وهلع، بحثاً عن قوتهم ودوائهم وما يبقيهم على قيد الحياة، بلا كرامة. فطأطىء رأسك يا أخي. انت من جنس الملعونين، واللعنة تحاكمك وتحكمك وتتحكم بك…

نحن نعيش في ظل حرب أهلية بلا أسلحة. ننتظر حلاً، أي حل، يأتي من الخارج. ظن اللبنانيون أن إنفجار أو تفجير المرفأ، سيكون بداية سقوط الهيكل على آلهته الموبوءة. عبث. اختبأت. لجأت إلى الصمت. ثم، حصنت بالحصانات. الخارج يهدينا عباراته وتعازيه وعجزه.

التاريخ عادة، يتقدم. نحن “خلصنا”. ليست هي المرة الأولى. كان لبنان مشروع وطن. دستوره ديموقراطي ونظامه كذلك عيوبه قليلة ولكنها كانت جسيمة. كانت الطائفية مؤقتة. وجاءت هذه التزكية بعد نزاع برلماني بين مؤيدي العلمانية ومتطرفي الطائفية. اتفق الفريقان أخيراً، على إبقاء الطائفية مؤقتاً، وتلغى بعد تراجع الطائفية… حدث أن تسارع نمو الطائفية، وثم ترسيخها في السياسة، وتم توظيفها في السياسات الخارجية، الدولية والإقليمية. ازداد الشعور بالغبن. تعاظم خوف المارونية السياسية… وعاش لبنان على إيقاع طائفي متنام، وتراجع للدولة المدنية حتى اختنق الصوت. وباتت الطائفية، حزب الأحزاب اللبنانية. ولا ضرورة لتكرار ما حصل. فلبنان الخراب اليوم، هو الإبن الشرعي لهذا النظام. كان لبنان طائفيا قليلاً في البدايات. اليوم، لم يعد في الساحة إلا الطائفية، الإله السياسي المعبود والخادم معاً.

وأنتم أيها اللبنانيون اللاطائفيون، ماذا أنتم فاعلون؟ الطائفيون مقيمون بحماس في أقبية ومغاور ومناصب طوائفهم ومذاهبهم. هم الركائز الداعمة والدائمة للنظام ولو أدى ذلك إلى مزيد من الخراب والانحدار.

ماذا أنتم فاعلون؟ هل تراهنون على الإصلاح؟ هل ترون في الأفق مشروعاً على أيدي الذين ابتدعوا هذا الخراب المتكرر؟ أم أنكم مستعدون لمغامرة المستقبل المديد؟ إذا كان المستقبل ممكناً، فلن يتحقق إلا إذا التم اللبنانيون اللاطائفيون، وطرحوا أسئلة الأسباب التي أدت إلى الخراب المتمادي. وأجابوا إجابات حاسمة، تقيَّم تجارب الفشل وأسبابها، منذ قرن حتى ما بعد الآن… إذا لم نعِ بؤس ماضينا فسنكون بؤساء وحاضرنا ومستقبلنا. لبنان مدرسة في الفشل الدائم والدفاع عنه.

أمام النخبة المستقبلية مسؤولية الإجابة عن أسئلة البناء الذي سيكون النموذج المنفتح. هل لبنان مؤهل ليكون دولة، وكيف وبماذا؟ هل هذه الدولة ستحسم خياراتها السيادية أم تبقى على قارعة الأمم والأزمات، عاجزة عن صياغة جواب يحدد الإتجاه؟ هل يتحمل لبنان الأقليات قيام نظام ديموقراطي لا طائفي بالمرة. مع احترام خصوصيات الطوائف الإيمانية فقط، ولا علاقة للدين بالدولة وإداراتها وسياساتها؟

هل سيتأمن النهج التربوي الذي يبني الإنسان المواطن وليس الرضيع الطوائفي. مدارسنا وجامعاتنا، في معظمها، تدفع المتخرج إلى حضن قطيعه. فصل التربية عن المذهبية ممكن أم مستحيل؟ مدراس وجامعات لبنان هي اليوم طائفية بجدارة الإنتماء إلى الحظائر.

الأسئلة كثيرة. الهدف بناء مواطن لتأسيس مجتمع، وكيان شعب، يكون هو المرجعية السياسية، وليس تابعاً للسياسيين كما هي الحال اليوم. الشعب أولاً. هل سيكون لدينا شعب عن جد؟ ماذا يلزمنا لذلك، وكم من الزمن.

من يؤمن بالمستحيل، يستقيل.

من يراهن على البناء، عليه أن يتوقع عقوداً، قبل أن يولد بلد، فيه دولة وشعب مساءلة ومساواة وانتاج و…

إذا كانت هذه الأسئلة قبل أوانها. فلننتظر استكمال مسيرة الإنهيار، مرة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق