الجدة نايفة تكحل عينيها برؤية وطنها.. وترحل

 

وكالة القدس للأنباء – زهراء رحيّل

لم يمنعها المرض وطول المسافة من الزيارة الأخيرة، فقد حضرت بقدمين متورمتين وظهرٍ حناه طول الغياب ومرارة اللجوء. كل ما أرادته هو نظرة أخيرة على الوطن، تكحل بها عينيها وتسقي بها روحها العطشى له وتشتم رائحته.

إنها الجدة نايفة قاسم مرجي، أتت من مخيم نهر البارد شمال لبنان إلى قرية مارون الرأس الجنوبية لترى وطنها الأم فلسطين.

جاءت وبصحبتها ابنتها وحفيداتها لتستذكر الماضي الجميل قبل النكبة.. تحكي لهن عن جمال فلسطين وتسترجع كل ما تتذكره عن بيت لحم وشوقها للقدس المحتلة.

تقول الجدة مرجي لـ"وكالة القدس للأنباء" : "أتذكر كل شي، مع أنني كنت صغيرة ابنة ٦ أعوام، أتذكر دارنا في بيت لحم وكل ما يحيط به".

وأضافت: "لا تزال صورة أبي وهو يهتم بالماشية في ذهني أو حتى عندما كان يذبحها في مسلخه، وأمي أيضاً كذلك الأمر حاضرة في مخيلتي، وهي تخبز الطابون أو تعد الأكلات المفضلة لي كالمغربية وفطيرة الزيت، وأتذكر المناطق المجاورة حيث كان يأخذنا أبي، لكن لا أعرف أسماءها، لكن صورها بقيت محفورة في داخلي".

وتابعت الجدة مرجي: "أما القدس فقد زرتها ذات مرة مع أبي وأمي، ومنذ ذلك اليوم لا تغيب عني لحظة واحدة، حين أتذكر القدس تحضر السكينة والراحة النفسية، كانت جميلة، جميلة للغاية، حتى أنها أبهرتني في تلك الفترة، وأشعر بغصة وتتساقط دموعي حين أراها عبر شاشة التلفاز لأنني لا أستطيع دخولها من جديد".

توقفت قليلاً ثم تنهدت تنهيدة حسرة، قائلةً: "اليوم أنا سعيدة جداً لأنني رأيت وطني وبإذن الله سوف نحررها ونعود إليها من جديد".

لم تستطع الجدة النزول من الباص، وبقيت طوال الوقت تحدق بجبال فلسطين عبر النافدة وكأنها في عالم آخر.

وأوضحت الجدة مرجي لـ"القدس للأنباء"، "منذ خروجنا لم يترك أبي مفتاح المنزل أبداً كان  يضعه في القمباز دائماً، مع أن رحلة اللجوء كانت طويلة جداً من بيت لحم إلى بنت جبيل إلى القرعون وبعدها إلى طرابلس، ومع هذا أبي لم يفقد أمل العودة وأنا وأولادي لن نفقده أبداً، وسنورث حق العودة وكل ما يتعلق بفلسطين لكل جيل جديد".

سرحت بنظرها مجدداً ثم قالت: "والله لو بدي أقعد على هاي التلة يلي قدامنا وبخيمة أو حتى من دون خيمة ما عندي مشكلة، المهم أرجع على بلدي، كيف ما دارت الدنيا بكون ببلدي، وقد ما أحكي عن جمال فلسطين ما بوفيها حقها، لو بيطلع بإيدي كان ما تركت ولا محتل صهيوني فيها، بس بإذن الله رح نرجع بفضل الله أولاً ثم بفضل المقاومة".

بعد هذا اللقاء الذي كان مجرد صدفة، وصلني خبر وفاة الجدة نايفة، التي لم تكن تعرف أنه اللقاء الأخير، ولو عرفت ذلك لفضلت البقاء تودع أرض الوطن من بعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق