في يوم.. في شهر.. في سنة..



 طلال سلمان

اربطوا أحزمة المقاعد. توقفوا عن الحركة. ضعوا على أنوفكم كمامات التنفس المخصصة للطوارئ. أغمضوا عيونكم. سدوا آذانكم. ليمسك كل بيد الآخر ولا تخافوا. هي مناورة بالذخيرة الحية لاستنقاذ جنين الحكومة الجديدة. اهدأوا، ففي جناح التوليد يحتشد الخبراء الدوليون الآتون من أربع جهات الأرض. الإشراف المباشر للولايات المتحدة الأميركية، وثمة أطباء اختصاصيون من بريطانيا وفرنسا وألمانيا تحت قيادة عالم روسي. ستكون إيران حاضرة من دون حق «الفيتو». ستقوم السعودية بدور القابلة القانونية، مادياً ومعنوياً. وستكون مصر ضيف شرف.. أما سوريا فممنوعة من الحضور بموجب القرارات الدولية، لكن الأخضر الإبراهيمي سيتولى إبلاغها النتيجة.
اهدأوا. هناك مقاعد كافية للجمهور. وثمة 18 قاعة انتظار بحسب عدد الطوائف، مع مراعاة أن تكون للطوائف العظمى أجنحة فخمة تليق بامتيازاتها، ولكل طائفة صوتان: صوت مرجح والثاني معطل عملاً بمقتضيات الديموقراطية اللبنانية الفريدة في بابها.
في الخارج ينتظم المسلحون زناراً من نار. يطلقون الرصاص إيذاناً بمباشرة «العملية»، ويستعدون لإطلاقه مجدداً في حال الإنجاز، أما إذا تعسّرت الولادة أكثر فقد يوجّهون تحيات نارية لبعضهم البعض… وقد يصل الغضب بقسم منهم إلى حد إرسال سيارات مفخخة تجوب الأحياء المشبوهة في ولائها للحكومة العتيدة.
يدوخ المنتظرون وهم يتابعون التحركات التي أخذت تكتسب شيئاً من التوتر. ذابت طريق بعبدا تحت أقدام الصاعدين والهابطين منها وإليها. صارت «دارة المصيطبة» أشهر من البنتاغون في واشنطن، و«عين التينة» أعظم أهمية من الكرملين و«بيت الوسط» أخطر من «10 داوننغ ستريت» و«بيت كليمنصو» أخطر من المفاعل النووي الإيراني.
يمكنك أن تحسد المذيعين ومحرري المحليات على صبرهم وعلى حماستهم التي لم يفقدوها طوال شهور الحمل التسعة. يكرّرون النشرة صباحاً وظهراً ومساءً… ويسارعون إلى أي لقاء لعلهم يسمعون جديداً، لكن التكتم صارم: يمكنكم الاكتفاء بتصريحات الأمس أو أمس الأول. يمكنكم اللجوء إلى «الرسائل العاجلة» بدلاً من نشرة مفصلة.
ولكن، لماذا تراها فُرجت واقترب موعد الحل؟! ماذا استجد، أو ماذا طرأ من خارج التوقع؟! ومن بدّل موقفه بحيث صار المستحيل ممكناً والاحتمال خبراً والولادة المتعسرة بشرى سارة للمنتظرين بين انفجارين، وللخائفين من فتنة لا تفتأ تتنقل بين البيروتين والبقاعين والشمالين والجنوبين والجبلين وتنشر الخوف على الطرق وفي مواقف السيارات وداخل كل بيت؟!
إن غياب الأجوبة الواضحة على أسئلة القلق يشغل بال اللبنانيين الذين ينتظرون «المولود» الذي يرفض مغادرة «الرحم» إلا إذا اطمأن إلى حياته حين يطل على الدنيا.. وليس في البلاد من يملك أن يطمئنه من بين جموع القلقين عليه ومنه.
كل حكومة في هذا الوطن الصغير تكاد أن تكون «حرباً صغيرة».
مع كل حكومة جديدة ينتبه أهل النظام الديموقراطي بطائفيته إلى أن ثمة انقساماً في الشارع، وينسون أنهم السبب فيه… ويشتبكون على اسم المكلف، ثم على صيغة الحكومة، وكأنها أول حكومة في التاريخ، ثم يعطلونها ويشلون الدولة لكي يعودوا إلى لعبة الاستشارات الممتعة بعبثيتها.
ما هذه الدولة التي يزعزع استقرارها «انتخاب» رئيس جديد للجمهورية تشارك فيه ألف دولة، و«اختيار» رئيس جديد للحكومة يشارك فيه جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مع بعض ضيوف الشرف من خارجه؟!
ما هذه الدولة التي كل شيء فيها حدث دولي إلا مصرع أبنائها على الطرق أو في بيوتهم وهم يتابعون المحاولات الحثيثة لتذليل العقبات الكأداء التي تمنع تشكيل حكومة جديدة لن تجد في الخزينة فلساً ولن تستطيع أن تمنع اغتيالاً أو اشتباكاً بين أخوين من رعاياها؟
في أي حال، جهّز الأسهم النارية للاحتفال بأن حكومة جديدة قد تولد، ربما، في يوم، في شهر، في سنة… وكل عام وأنت بخير!

نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 13 كانون الثاني 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق