خذ حصتك من القهر والموت

 


خذ حصتك من القهر. انصرف إلى وحدتك، اذ لا أحد معك. ما كان ماضياً واعداً، مات. وحدها الارتكابات لا تموت، بل تميت. الأفضل أن تتدرج بأحزانك. لست وحيداً. كومة البائسين واليائسين تدلك إلى المريع الآتي. ممنوع أن تتفاجأ. لبنان كله، من أصله إلى نحره، ماضٍ لا يغتفر. تربى على أن يكون في صف الفشل والعجز والعقم. لم يتعامل مع ناسه كبشر. كنّا بضاعة مغشوشة، موجودات مفضوحة، قيادات مزيفة. لم نلتئم مرة كشعب. كنا قطعاناً تساق إلى المعلف. من رفض أن يكون في صف القطيع، نجا بنفسه ولم يربح وطناً. كان نظيفاً مضاداً لأذكياء العهر والقهر والاستتباع. لا. لسنا كلنا مذنبين. أحلام كثيرة راودتنا. عبث. لنا مخيلة سليمة تحبل بمخاضات ضحلة. إذاً، خذ حصتك من الذكاء، وتناسى أنك في لبنان أو من لبنان. لبنان الذي أحببت، ليس لك. يخونك. ينام في فراش العهر الطائفي والمذهبي، متسلحاً بمباركة وقداسة سدنة الدين وأمراء الهيكل وأدعياء الصلوات. الأفضل أن لا تقيم في الخطأ. إنسَ أنك لبناني، لأنك لم تكن كذلك، ولم يسمح لك بذلك. اللبنانية مهانة ومذلولة. النصر كان من حصة قراصنة المال والذمم والمناصب والزيف. زعماؤنا، ليسوا مخلوقات بشرية. سيرتهم الذاتية، فوتو كوبي، عن سيرة القتلة، ممتهني الموت، بخيط الحرير مرة، وبطعنات الخيانة مراراً. إذن، علينا أن نكنس الطريق المديد من الذين أقاموا على جنباتها، مآثرهم التي تفوقت في الاغتصاب، إلى حد خنق وطن، وتشريد مواطنين، وإفقار عاملين، إن لم نفعل ذلك، فمن منّا يضمن أنه سيطيق نفسه… هم ليسوا بحاجة إلى أن تدل عليهم، أو تشير إليهم. إنهم معروفون، أبّاً عن جد عن جدود. أقدامهم في لبنان، وأياديهم تتسوّل الأموال والدعم والاستقواء. إنهم مختلفون جداً، ويتقاتلون بإتزان، ولكنهم يشبهون بعضهم بعضاً. حذو النعل بالنعل.

خذ حصتك من الجنون وكن قبضة قاسية وليكن صوتك سوطاً في رقابهم.

“الكتابة، أليست هي القفز خارج صف القتلة؟” (كافكا). إذن اكتب. بعثر المعاني. افضح تراثهم النتن. هؤلاء ليسوا مخلوقات بشرية. هم من سلالة الإرتكاب. لا حاجة أبداً لبراهين. لبنانهم هذا يقتلنا. يجوّعنا، يهجّرنا. يعدمنا الأمل. يصوّب علينا وباله. يغتال أخلاقنا. يصيب صبرنا. يدفعنا إلى الفاقة. يذلّنا على الأبواب. يهدّدنا بالرغيف والحليب والماء والعتمة. لا يقيم وزناً لأحزان نبيلة. وفي غاية الصدق. لا يعير اهتماماً لدموعنا، لصدور جفّ حليبها، لقلوب مقتولة بغصّة الفقدان… هؤلاء ليسوا بشراً. لبنان الجميل هذا، بات لا يُطاق. إنه موبوء وملوّث، مفضوح، مقرف، كريه… لم يعد لنا منه البؤساء. إننا عن جد بؤساء. أين أنت يا هوغو؟ إنهم يقتلوننا ببطء. يكذبون كأنهم يصلون، يعترفون باللصوصية المستفحلة. ويلجأون إلى صمت القضاء، كي يخلع عليهم رداء الكتمان. هؤلاء القتلة، قتلونا عن جد. القتلى هنا، ليس استعارة أو مبالغة. المرفأ شاهد في الرابع من آب، على المجزرة. ما بعد ذلك فراغ. لم يصب أحد بعد باتهام. الشر أساس عندهم. إنهم من عائلات الشرور كلها.

الكتابة لم تعد فنّاً أبداً. يلزم أن تصير مقصلة أو منصة لمحكمة العدالة. هل نحلم؟ ربما. إنه خير من أن نلعن الظلام. يجب أن يصاب هؤلاء إصابات تخرجهم عراة، فنشاهد عوراتهم الأخلاقية على الأرصفة “في الزوايا الملوثة”. يلزم أن تكون شريراً، لمطاردة الأشرار. لم نصل بعد إلى مرتبة الشر الحاسم، والجميل. حتى الآن، هم يتمتّعون بحمايات الجراد المطيعة، وحمايات أهل الصلاة والدعاوات الكاذبة. لبنان الأخطاء، مزمن. هذا ليس جديداً. منذ استولدته فرنسا، أهدته لزبانية السياسة وعائلات موغلة في التبعية، وتعرف من أين تؤكل الكتف. لم يكن لبنان وطناً لهم. كان جائزة لخيانات متناسلة، منذ القرن التاسع عشر. أمنا الحنون فرنسا، أهدتنا مكاناً لممارسة أفدح تجارة: تجارة الأوطان. لبنان كان مصيدة لقلة مختارة بعناية، وقبولها تم بعد النجاح في امتحان الطاعة على العمياني.

فيا أيها “اللبنانيون” المطيعون… أنتم العميان المبصرون فقط للجائزة.

لا يوجد هواء في الذاكرة. خذ حصتك من الماضي واسأل. غريب. كم كذَّب الشعراء. لقد صنعوا مجداً مزيفاً للبنان. قصائدهم مدائح مترعة بالمغالاة والشعوذة والبرودة. جعلوه كذا: “لبنان يا قطعة سما”. ولو! تواضعوا قليلاً. ألا ترونه اليوم يبحث في كوم المهملات عن قطعة خبز. خففوا من كذبكم. لبنانكم، غير جدير بالاحترام والتمجيد فليعذرنا سعيد عقل. فليغفر لنا الأخوان رحباني. فلننس شبلي ملاط، فلنهمل “الجبل الملهم”، فلنصم آذاننا عن قصائد وأشعار مفضوحة، لا تشبه لبنان البتة. لعل الشعراء المحدثون كانوا أكثر صدقاً. لقد أقاموا بينهم وبين لبنان الكذبة، جداراً سميكاً. فضحوا الكيان. لم يجدوا فيه وطناً. لم يكتشفوا فيه إنساناً. محمد الماغوط عرّانا، وعرّى بلاداً مزدانة بالعار.

خذ حصتك من الجرأة. قل للبنان الزاحف إلى حتفه. هؤلاء هم القتلة. إذا لم نقطع أياديهم، سيمارسون القتل بعناد وتصميم. أنظروا إليهم، أمس واليوم ومن قبل عام وقبلها أعوام. لقد قامروا وكسبوا. قشوا جميع أموالكم ومدّخراتكم. قمارهم يتجدد. سيقامرون بالناس. الشعب هو “الميز”. بحلقوا جيداً. إن إضباراتهم الطائفية تمتلئ بالأتباع والزبائن والبلطجية. حول طاولة القمار، رهانات على من تبقى من البشر. حول الطاولة مقامر سني، بتأييد سني مبرم. ومقامر شيعي بتأييد شيعي مزدوج. ومقامر ماروني ينافس مارونياً آخر، على جعبة التأييد. ومقامر درزي لا يتوانى عن ممارسة الصولد… إلى آخره.. وتأكدوا، أنهم لن يخسروا أبداً. سيربحون. سيعيدون الكرة بعد الكرة. طائف واحد لا يكفي. لم لا يكون هناك ثان وثالث. طالما أن المدعوين إلى مائدة التفاوض حول “النظام”، لن يستبدلوا المقاعد. سيحولون الطاولة إلى خنادق، تنتهي بوئام طائفي… واعزفي يا موسيقى النشيد الطائفي اللبناني.

كلنا للوطن؟

عجلوا. غيروا النشيد الوطني اللبناني. تراتيل دفن الموتى أكثر صدقاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق