مسعد محمد زرد: ليتني متّ في يافا

 

العربي الجديد- انتصار الدنان
22-06-2021
كان والده بحاراً يعيش بالقرب من الساحل. تركه حين كان في الحادية عشرة من العمر، بعدما لجأ من فلسطين إلى لبنان عبر البحر. يقول بمرارة اليوم وهو في سن الرابعة والثمانين: "ليتني متّ في يافا ولم آتِ إلى لبنان".
مسعد محمد زرد غادر يافا صغيراً، لكنه ما يزال يذكر أن ميناءها يُشبه ذلك الذي في مدينة صيدا اللبنانية. يعيش اليوم في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، بعد رحلة عذاب طويلة عاشها في هذا البلد، وشهدت حرمانه من متابعة التعليم، وبالتالي من فرصة تغيير حياته.
عن دراسته يقول مسعد: "تعلمت في فلسطين حتى الصف الرابع الابتدائي. عمِل والدي في الميناء، أحياناً في تفريغ حمولة بواخر أو تعبئتها، وأحياناً أخرى في صيد الأسماك. رزقه الله ستة صبيان وأربع بنات، وظلّت حياتنا طبيعية حتى احتل الصهاينة بلادنا بعدما تآمروا مع الانتداب البريطاني الذي سمح لهم بالمجيء وبناء مستعمرات بعضها في مرتفعات تطل على يافا، أهمها تل الربيع (تل أبيب) التي نظموا فيها أيضاً معسكرات تدريب".
ويتذكر مسعد أنه "عندما بدأت المناوشات بين أهل يافا وتل أبيب، طلب مني أخي أن أوصل زوجته مريم، وهي يهودية، إلى موقف الباصات كي تذهب إلى أهلها الذين كانوا يسكنون في مستعمرة قريبة، فبدلت ملابسي وخرجت معها الى الساحة حيث التقيت أبي في مقهى وأخذت منه بريزة (عملة معدنية) كي أعطي زوجة أخي أجرة الباص".
يضيف: "في اليوم التالي وجدت بندقية امتلكها شقيقي الكبير حسن حين التحق بالجيش البريطاني، مرمية بلا قيمة لأنها من دون ذخائر، في وقت كان الناس يخرجون من بيوتهم استجابة لنداء الجيش العربي بإخلاء البلدة لمدة 48 ساعة من أجل إخراج اليهود منها. حمل الناس الشراشف معهم إلى البحر، حيث جهّز الجيش البريطاني بواخر لترحيلهم. ركبناها على مضض، وبعد ساعات وصلنا إلى ميناء بيروت، حيث نقلتنا حناطير (عربات تجرها أحصنة) إلى كاراج الصاوي زنتوت الذي بتنا فيه قبل أن نتوجه إلى مدينة صيدا التي تتحدر أمي منها، ونمنا في بيت جدتي، لكن ليتنا لم نأتِ، إذ كنا نعيش حياة كريمة في يافا، حيث كان الفرد يتقاضى 65 قرشاً تعادل حينها 10 ليرات لبنانية".
ويؤكد مسعد أن حياته ظلت صعبة في لبنان. ويتابع ذارفاً الدموع تحسراً على ظروفه: "مرّت عليّ أيام مشيت فيها حافي القدمين لأنني لم أملك ثمن حذاء. بعض أخوتي ذهبوا إلى الأردن، فيما عملت أولاً بائع جرائد، ثم في تحميل الصناديق، وسائق سيارة أجرة. عندما بلغت الـثلاثين تزوجت قبل أن تندلع الحرب الأهلية عام 1975، فترك أهل زوجتي، منزلهم في مخيم عين الحلوة وهاجروا فسكنت مكانهم". يختم: "ليتني أعود إلى فلسطين وأموت في أرضها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق