حتى لا يضيع تقرير «هيومن رايتس ووتش» هباء

 


فؤاد بكر
قاضي في المحكمة الدولية لتسوية المنازعات

 

 أثار تقرير "هيومن رايتس ووتش"، الصادر بتاريخ (27 نيسان 2021)، الرأي العام العالمي، لما تضمنه من نتائج تحقيقات ميدانية، قامت بها المنظمة، تؤكد ارتكاب دولة الاحتلال الإسرائيلية جرائم ضد الإنسانية، كجريمة الفصل العنصري "الأبارتهايد" وجريمة الاضطهاد تجاه الشعب الفلسطيني.

لطالما نادى الشعب الفلسطيني الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإجراء تحقيقات ميدانية، تكشف حقيقة النظام الإسرائيلي الذي يدعي الديمقراطية، ويمارس سياسات عنصرية أبشع من السياسة النازية والفاشية بحق الشعب الفلسطيني، إلا أنه تم تجاهل هذه المطالب بشكل متكرر، وأهمل هذا الملف من جانب المنظمات الدولية الحكومية.

أشار تقرير"هيومن رايتس ووتش"  وهي منظمة دولية غير حكومية، إلى الانتهاكات الإسرائيلية التي تشكل جريمة ضدّ الإنسانية، والتي يجرمها القانون الدولي، مما يشكل إحراجا للمنظمات الدولية الحكومية ولجان التحقيق التي تواطأت مع دولة الاحتلال الإسرائيلية، وهنا لابد من التذكير بقرار الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" القاضي بسحب تقرير الإسكوا الصادر عام 2017، الذي فضح الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، وتناول بالتحديد جريمة الفصل العنصري "الأبارتهايد"، ما أدى إلى استقالة "ريما خلف" المديرة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة (الإسكوا).

بينما تحدث مواطنون بارزون في جنوب أفريقيا عن الفصل العنصري الإسرائيلي ووصفوه بأنه أسوأ من الفصل العنصري في نظام جنوب أفريقيا، سابقاً، إثر زيارة ميدانية للضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، كما نشرت صحيفة "جارديون" بتاريخ 29 نيسان 2002. تقريراً تناولت السياسات الاستيطانية وطرد الفلسطينيين وتهجيرهم بشكل قسري من القدس الشرقية.

كما أن أكاديميين إسرائيليين وصحافيين وممثلي البلديات، انتقدوا معاملة حكومتهم، ونعتوها بأنها أسوأ من نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، كما ذكرت صحيفة "جارديون" بتاريخ 26 نيسان 2004، ناهيك عن وصف رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة "أسكوتو بروكمان" في 24 تشرين الثاني 2008 السياسات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة بنظام الفصل العنصري.

ودعا مجلس أبحاث العلوم الإنسانية (HSRC) محامين من جنوب إفريقيا وفلسطين ودولة الاحتلال الإسرائيلية، وأوروبا للتحقيق حول ما إذا كانت "إسرائيل"، قد انتهكت مبدأ الفصل العنصري، إلى أن انتشرت الدراسة عام 2009 التي أكدت على وجود نظام مؤسسي قمعي "فصل عنصري"  للسيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في 5 تشرين الثاني 2011، أصدرت محكمة (راسل) في قضية فلسطين أن "إسرائيل" تخضع الشعب الفلسطيني لنظام هيمني يرقى إلى الفصل العنصري وتمييزي بدرجات متفاوتة، وأصدرت حكما يقتضي أن النظام الإسرائيلي هو وحدة واحدة متكاملة في نظام الفصل العنصري، مما يجعل من نظام دولة الاحتلال الإسرائيلية بالممارسة نظام فصل عنصري "أبارتهايد".

كما ذكر التقرير الجرائم ضد الإنسانية المتعلقة بجريمتي الاضطهاد والأبرتهايد، ومن أبرزها: منع الفلسطيني من زيارة القدس، وإخضاعه للمحاكم العسكرية وإجراء محاكمات غير عادلة، وحرمان الفلسطيني من بناء منزل، ومن حرية الرأي والتعبير، عدم السماح بالعودة للاجئين أو المهاجرين أو النازحين.

 بالمقابل، وجهت "هيومن رايتس ووتش" عدة توصيات، مطالبة 12 جهة بتنفيذها واتخاذ الإجراءات اللازمة، غافلة عن تضمين توصية بغاية الأهمية وتتعلق بمقاطعة هذا النظام، كما تم مقاطعة نظام جنوب إفريقيا، عندما كان يمارس سياسة الفصل العنصري "الأبارتهايد".

ولكن من أبرز ما طالبت به منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطة الفلسطينية، هو وقف التنسيق الأمني مع هذا النظام المجرم، كون التنسيق الأمني يساهم في تعزيز جريمة "الأبارتهايد" الإسرائيلية، كما طالبت المجتمع الدولي بإصدار بيانات تدين النظام الإسرائيلي، وتعرب عن قلقها بشأن ارتكاب هذه الجريمة، وفرض شروط قاسية حول المساعدات الأمنية والعسكرية المقدمة لدولة الاحتلال الإسرائيلية، وفرض العقوبات على الأفراد المتورطين بممارسة هذه الجرائم.

يشكل التقرير الصادر من منظمة "هيومن رايتس ووتش" خطوة متقدمة لصالح الشعب الفلسطيني، لما يتضمن من نتائج مبنية على تحقيقات ميدانية، تؤكد على تعرض الشعب الفلسطيني لسياسة الفصل العنصري والاضطهاد، مما يفرض على المجتمع الدولي اتخاذ خطوة جدية وسريعة، ضد نظام الفصل العنصري على وجه الأرض، كما يتوجب على السلطة الفلسطينية استخدام هذا التقرير أمام المحكمة الجنائية الدولية، كي لا يتم تجاهله وسحبه من طاولة التداول الدولي، كما حصل في تقرير (الإسكوا) عام 2017.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق