"سيف القدس" .. مكتسبات استراتيجية فلسطينية على طريق التحرير

 

 محمد صفية

يجمع المراقبون السياسيون والعسكريون أن معركة "سيف القدس" شكلت منعطفا تاريخيا بالنضال الفلسطيني واستراتيجيته على طريق التحرير، بإرسائها قواعد جديدة على المحتل.

فمنذ اليوم الأول لبدء المعركة، التي كانت بفعل انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى و"باب العامود" وحي "الشيخ جرّاح"، أخذت المقاومة الفلسطينية دورها في التصدي، وشكلت نقطة حاسمة ومفصلية أوجعت الاحتلال، وأوصلت رسالة أن غزة ليست بمنأى عن هبة المقدسيين، وأن المساس بالقدس والمسجد الأقصى خط أحمر.

وكان جليا تأكيد "أبو عبيدة" الناطق باسم "كتائب القسام" الذراع العسكري لحركة "حماس" أن "القدس هي محور الصراع وأيقونة المعارك ومفجرة الانتفاضات، وكل ثمن ندفعه وسندفعه هو فداء للأقصى والقدس".

ويقول الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة، في حديثه لـ"قدس برس"، إن "هذه الجولة من الاشتباك مع الاحتلال، تعدّ نوعية ومتقدمة" مقارنة بالمعارك السابقة (2008، و2012، و2014) وهي نتيجة طبيعية للتراكم المعرفي والخبرة العملية التي اكتسبتها المقاومة وتحديداً كتائب القسام".

ويضيف "ما شهدناه خلال العدوان على غزة، يدل على إرادة وعزيمة صلبة لدى المقاومة الفلسطينية، وإدارة عالية ومنضطبة للمعركة، يقابله جمهور فلسطيني ناضج ومحب للمقاومة وللقدس وفلسطين ومستعد للتضحية لكرامته وحريته".

ويسهب الحيلة في سرد ما كشفت عنه فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها "كتائب القسام"، من مستوى عسكري متقدم في مجال التصنيع العسكري.

ويقول في هذا الصدد: "شاهدنا لأول مرة صواريخ عالية الدقة تصل مداها لنحو 250 كيلومتر، وبرؤوس حربية قادرة على إيقاع الخسائر الفادحة في العدو، ناهيك عن امتلاك طائرات بدون طيّار، والتوربيد البحري الحامل لرأس حربي زنة 50 كيلوغرام من المتفجرات حسبما اعترف به الاحتلال عقب استهداف وتعطل مصفاة النفط (تمار) شرقي المتوسّط".

ويضيف:"كما أن امتلاك المقاومة الفلسطينية للجرأة القتالية، والتخطيط الدقيق والتدريب العالي، ناهيك حسن تقدير الموقف المبادرة، أفشل خطط الاحتلال وحيّد قدرة جيشه على تحقيق الأهداف".

ويرى الحيلة أن المقاومة حققت جملة من الإنجازات، على رأسها توحيد عموم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، على فكرة المقاومة الشاملة للاحتلال، ما يعدّ استفتاءً وطنياً حياً على هذا الخيار".

كما استطاعت المقاومة "هزيمة ثقافة اليأس والاحباط والخنوع، قابلها تغذية الشعب الفلسطيني بجرعات عالية من الثقة بالنفس والقدرة على تحقيق النصر على الاحتلال ولو بالتدرج على طريق التحرير".

ويضيف: "كذلك رسّخت المقاومة صلتها بالقدس وبالإنسان الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وبأنها ليست لغزة وحدها أو لجغرافيا بعينها كما كان الاحتلال يحاول أن يوهم البعض بذلك؛ فانتصار المقاومة لنداءات الفلسطينيين في حي الشيخ جرّاح وفي ساحات المسجد الاقصى، والمدن الفلسطينية كافة، وقدرتها على وقف محاولات المتطرفين الصهاينة وعصابات الهيكل المزعوم من المساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، عزز تلك القيمة الوطنية النضالية".

وعن تبعاتها اسرائيليا، يقول الحيلة: "استطاعت المقاومة الفلسطينية إيقاع خسائر مادية مباشرة في صفوف الإسرائيليين، وتمكنها من نشر الرعب والهلع في صفوف الجيهة الداخلية للاحتلال بإبقاء نحو 6 مليون صهيوني في انتظار صافرات الإنذار وتعطيل مطار (بن غوريون)، ووقف السياحة وقطاع الخدمات، وقطع الكهرباء على مدن وبلدات إسرائيلية، ما حقق هزيمة وضربة مادية ومعنوية من العيار الثقيل؛ استطاعت المقاومة من خلاله، كسر هيبة جيش الاحتلال الذي احتمى زيفا بعبارة (الجيش الذي لا يُقهر) وأفشلت كافة مخططاته وأهدافه العسكرية".

ويردف بالقول: "ناهيك عن استهداف المنطقة الصناعة في بئر السبع، ومنصة الغاز (تمار) شرق المتوسط، وأنبوب الغاز الواصل بين إيلات وعسقلان، بالإضافة إلى استهداف كافة القواعد العسكرية المحيطة بقطاع غزة المحاصر، وسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف العدو، التي لم يجرؤ على الافصاح عنها".

ويتابع حديثه "كما استطاهت المقاومة، كشف ضعف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بتوعه أذرعها ومسمياتها، عبر اظهار سوء تقديراتها بشأن تداعيات الأحداث في القدس وحي الشيخ جراح، وجدية تهديد المقاومة، ومدى تطور قدراتها القتالية، ناهيك عن الفشل في توقّع الحراك الجماهير الواسع في المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948".

وختم حديثه بالقول: "ربما ظن الاحتلال أن يستفرد بالقدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، إلا أن فعل المقاومة، فاجأ العدو، بعد أن أفشل مخططاته، وأجبره على إعادة حساباته ورسم سياساته، حتى قراره وقف العدوان على غزة، اتخذه مُرغما وصاغرا لا يملك من أمره شيئا، أظهر معه حقيقة ضعفه للقاصي والداني".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق