"الدار البنفسجية" للحدّ من الزواج المبكر... مشروع لفلسطينيات مخيم عين الحلوة

 


العربي الجديد: انتصار الدّنّان
30-05-2021
على الرغم من الحملات التي تحذّر من الزواج المبكر، فإنّ الأمر ما زال شائعاً في مجتمعات كثيرة. وقد أُطلق أخيراً مشروع في مخيم عين الحلوة في لبنان لتوعية فتيات وشابات فيه.
في ظلّ الظروف الصعبة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، ثمّة فتيات وشابات فلسطينيات كثيرات يتخلّينَ عن تعليمهنّ إمّا لأسباب اجتماعية تتعلق ببيئتهنّ وإمّا لأسباب معيشية تتعلق بالضائقة الاقتصادية وإمّا لأسباب تتعلّق بصعوبات تعلميّة تعاني منها الفتيات المتسرّبات من المدرسة. وفي أحيان كثيرة، تجد هؤلاء الفتيات أنفسهنّ ضحايا زواج مبكر. وفي محاولة للحدّ من الزيجات المبكرة، أنشئ مشروع "الدار البنفسجية" في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا، في جنوب لبنان.
تقول مروة ماجد مصطفى المسؤولة عن تنفيذ المشروع والمتخصصة في العلوم الاجتماعية والمتحدّرة من بلدة لوبية في فلسطين والمقيمة في مدينة صيدا، إنّ "المشروع يُنفَّذ من ضمن مشاريع جمعية نواة - مركز التضامن الاجتماعي، بتمويل من مؤسسة كاريتاس - إسبانيا. وهو يهدف بشكل أساسي إلى التقليل من الزواج المبكر وتحقيق المساواة بين الجنسَين. لذلك نعمل في هذا المشروع على تعليم الفتيات والشابات المتسرّبات في المخيم، اللواتي تتراوح أعمارهنّ ما بين 12 و21 عاماً".
تضيف مصطفى لـ"العربي الجديد" أنّ "المشروع يستهدف ستين فتاة يُحَلنَ إلى التعليم البديل الذي يشمل الرياضيات واللغة الإنكليزية واللغة العربية، وفي الوقت نفسه يخضعنَ لدورة في القيادة وأخرى للدفاع عن النفس حتى تتمكّن الواحدة من الدفاع عن نفسها والمواجهة ورفض الزواج المبكر، ويحصلنَ كذلك على دعم اجتماعي من خلال متخصصة في علم النفس. كذلك تتابع الفتيات دورات كمبيوتر، ويقمنَ بأنشطة متعددة برفقة الأهل. حتى في الرحلات، تُرافَق الفتاة من قبل أمّها أو أختها حتى لا ترفض العائلة خروجها في رحلة. فنحن نسعى من خلال ذلك إلى أن تعيش الفتاة حياتها بشكل طبيعي. ويسمح المشروع للفتيات بالمشاركة في نادٍ رياضي أيضاً". تتابع أنّ "ثمّة صفوف دعم دراسي، وهذا الدعم يبدأ من الصف الثامن الأساسي حتى صف الثالث ثانوي، وهو مجاني يقدّمه مدرّسون متخصصون. بهذا نخفف من الأعباء المادية عن الأهل".
وتشير مصطفى إلى أنّ "المشروع يمتد على عام كامل. وبما أنّه يستهدف الإناث حصراً، وحتى نشجع الأهل على الموافقة على مشاركة بناتهم في المشروع، عملنا على تأمين حصص غذائية تقدّم مرة في الشهر طوال مدّة المشروع". وتكمل: "توصلنا إلى هدفنا بعدما عقدنا اجتماعات عدّة مع لجان الأحياء في المخيم ومع الأشخاص الذين يعملون في الحقل الاجتماعي، من أجل التنسيق معهم".
من جهتها، تقول المتخصصة في علم النفس ميرنا علي ديب المقيمة في بيروت والتي تعمل على الدعم النفسي في المشروع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذا الدعم يهدف إلى تعزيز شخصيات الفتيات من خلال تمارين نفسية تسمح بالولوج إلى دواخلهنّ، ليثبتنَ ذواتهنّ أكثر ويعبّرنَ عن أنفسهنّ. كذلك نقوم بتدريب حركي عام يشملهنّ جميعاً، إلى جانب جلسات خاصة لكلّ واحدة منهنّ على حدة، بحسب الحالة والحاجة، خصوصاً اللواتي تعرّضنَ إلى عنف (باختلاف أشكاله ومنها التنمّر)". تضيف ديب: "نجحت في بناء علاقة مع الفتيات في الجلسات الجماعية إذ إنّها كسرت الحواجز بيننا. فأنا أخبرتهنّ بمشكلة لديّ، الأمر الذي جعلهنّ يثقنَ بي. ثمّة فتيات لم يتقبّلنَ ما نقوم به في بادئ الأمر، لكنّ الأمور راحت تتحسّن شيئاً فشيئاً". وتشير ديب إلى أنّ "عدد الجلسات العامة بلغ 16 جلسة، هدفت إلى دفع الفتيات للحديث على مشاكلهنّ، فمن شأن ذلك أن يجنّبهنّ الإصابة بالاكتئاب".
فاطمة سليمان البالغة من العمر 16 عاماً والمقيمة في مخيم عين الحلوة، من بين اللواتي يشاركنَ في المشروع. تخبر"العربي الجديد": "لقد تركت المدرسة وأنا في الصف الرابع الأساسي عندما كنت في العاشرة من عمري، بسبب وضعنا المادي، بالإضافة إلى أنّني كنت أعاني من صعوبات تعلمية وأحتاج إلى متابعة". تضيف فاطمة أنّه "في خلال السنوات الستّ التي مرّت منذ ذلك الحين، لم أفعل شيئاً غير المشاركة في دورة تصوير في جمعية نبع"، مشيرة إلى أنّ "حلمي هو في تعلّم ما يؤمّن لي عملاً، لذا التحقت بهذا المشروع. وصرت أقرأ وأكتب باللغتَين العربية والإنكليزية، في حين صارت شخصيتي أقوى والتالي قادرة على المواجهة". تتابع فاطمة: "تعرفت كذلك على فتيات صرنَ صديقات لي، وأنا اليوم ناشطة في قسم التطوع في الجمعية"، مؤكدة "وقد شعرت بفرق كبير".
بدورها، تخبر جيهان حجير البالغة من العمر 16 عاماً والمقيمة في مخيم عين الحلوة، "تركت المدرسة بعدما أنهيت الصف السابع الأساسي، وكنت حينها في الثالثة عشرة من عمري". وتوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "أبي أراد أن أترك المدرسة، لأنّه لا يحبّ الاختلاط. وهو لم يوافق على التحاقي بالدار البنفسجية قبل أن يحضر شخصياً إلى مركز الجمعية ويتأكد أنّ الأمر يرتبط حصراً بفتيات وأنّ المدربات والمعلمات جميعهنّ من الإناث". تضيف جيهان: "عندما تركت المدرسة، بقيت مع أمي في البيت أساعدها في العمل. وبعدما وافق والدي على التحاقي بالمشروع شعرت بسعادة. هنا تعلمت القراءة لأنّني لم أكن أجيدها، لكنّني في الوقت نفسه لن أرفض لأبي طلباً، على الرغم من أنّ شخصيتي تغيرت وصرت أشعر بالقوة أكثر من قبل".
أمّا ضحى رمضان البالغة من العمر 17 عاماً والمقيمة في مخيم عين الحلوة، فتقول لـ"العربي الجديد": "تركت المدرسة عندما كنت في الصف الرابع الأساسي. كانت قامتي طويلة جداً وتتجاوز قامات رفيقاتي، لذا كنت أتعرّض إلى تنمّر منهنّ بشكل دائم، فقرّرت ترك المدرسة. وقد تواصل أهلي مع إدارة المدرسة، لكنّ ذلك لم يجدِ نفعاً". تضيف ضحى: "بعدما تركت المدرسة، التحقت بمعهد في المخيم لمدة عام ونصف عام، لكنّ ذلك لم يعجب أبي، فطلب مني تركه، ولازمت بالتالي البيت. ثمّ التحقت بالمشروع بعدما زارتنا شابات منه وسجّلنَ اسمي". لكنّها تشير إلى أنّه "في خلال المشروع، خُطبت لأحدهم. سألني أهلي إذا كنت أرغب في ذلك، فوافقت. كنت سوف أصير عروساً. بعد ذلك تركني العريس، لأنّنا لم نتّفق بحسب قوله. هو كان يتدخل في كل شيء، ومنعني من المشاركة في المشروع وصار يضايقني بأمور عدّة". تتابع ضحى: "بعدما تركنا بعضنا، عدت والتحقت بالدار البنفسجية. فتعلمت كيف أدافع عن حقي وأستردّه، وتعلّمت كذلك القراءة والكتابة والكمبيوتر"، مؤكدة أنّ "هذه الدورات تعزز ثقة الفتاة بنفسها. وفي حال أتاني عريس ليخطبني، فإنّني سوف أرفض بالتأكيد. لن أعيد التفكير بالأمر في سنّي هذه".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق