مقالات من صحافة العدو الصهيوني

 


هآرتس – 18/5/2021

المعركة في غزة تدخل مرحلة المراوحة، واستمرارها ينطوي على خطر عال في الاخطاء

بقلم: عاموس هرئيل

” الجيش الاسرائيلي سجل نجاحات كثيرة في العملية الحالية، لكنهم في الجيش يشخصون أن انجازات تكتيكية اخرى لن تغير نتائج المعركة. وفي هذه الاثناء عدد المدنيين الذين قتلوا في هجمات الجيش الاسرائيلي يرتفع بشكل حاد ويثير عدم الرضى في اوروبا وفي الولايات المتحدة “.

في بداية يومها التاسع فان المعركة بين اسرائيل وحماس توجد عميقا في مرحلة المراوحة في المكان. رسميا يصفون لنا الصورة التالية: الجيش الاسرائيلي مستعد لمواصلة الهجوم القادم بقدر ما يحتاج الامر. وحتى الآن توجد لديه قائمة طويلة من الاهداف التي ينوي تفجيرها في قطاع غزة، حماس تستنجد من اجل وقف اطلاق النار، واسرائيل ترفض بشكل عام مناقشة ذلك لأنه يوجد لديها، كما قلنا، الكثير مما ستفعله في غزة.

عمليا، الظروف مختلفة كليا، دائما توجد اهداف اخرى لمهاجمتها، لكنهم في الجيش يشخصون أننا قد وصلنا الى مرحلة الانتاج الحدّي المتناقص الذي فيه انجاز آخر تكتيكي ومتراكم لا يساعد بالضرورة على تغيير نتائج المعركة. اسرائيل كانت ستكون سعيدة بانهاء القتال لأن العمليات العسكرية حققت معظم ما ارادت تحقيقه وهي غير معنية بالدخول البري الى اراضي القطاع. والمجهول الاساسي هو حماس لأنه من غير الواضح تماما اذا كان قادتها الذين يوجدون في حالة هروب من محاولات اغتيالهم من قبل اسرائيل، قد بلوروا موقفا موحدا حول مسألة اطلاق النار.

حماس بدأت ايضا تطرح مطالب حول تغيير الترتيبات المتبعة في الحرم، التي لا يمكن لاسرائيل الاستجابة لها. ايضا هذا يمكن أن يعقد المفاوضات التي تجري بوساطة مصر والولايات المتحدة. صعوبة اخرى تتعلق بالجهاد الاسلامي: اسرائيل اغتالت أمس قائد اللواء الشمالي في الجهاد، الامر الذي سيحث الجهاد على اتباع اجندة منفصلة فيما يتعلق بوقف اطلاق النار.

الجيش الاسرائيلي سجل عدة نجاحات ضد حماس. الاختراقة البارزة اكثر هي انتزاع الثقة بالنفس التي راكمتها حماس، بدءاً من القيادة وحتى النشطاء العاديين في المجال التحت ارضي الذي تم حفره تحت المباني والشوارع في القطاع. المعلومات الدقيقة والقدرة التي راكمها سلاح الجو لحفر ثغرات عميقة تحت الارض تقوض الاحساس لدى حماس بأن الانفاق هي مكان آمن.

يبدو أنه في عدد من الحالات خاف نشطاء حماس مؤخرا من تلبية أمر الدخول الى الانفاق. انجازات اخرى تم تسجيلها في الاصابة المتزايدة للخلايا التي تطلق الصواريخ والقذائف المضادة للدبابات ومواقع انتاج السلاح والاعضاء الكبار في حماس والجهاد الاسلامي. بمعان كثيرة، اسبوع من القتال في هذه المرة يساوي سبعة اسابيع من عملية الجرف الصامد في 2014.

ولكن كل ذلك لا يغير الصورة الاساسية. اسرائيل خرجت (أو انجرت خلف حماس) الى معركة هدفها هو الردع وليس الحسم. والأمل في أن عدة هجمات مفاجئة اخرى وعدة اغتيالات مؤلمة اخرى ستحسن بشكل جوهري ميزان الردع وتُطيل الفترة التي تريدها غزة لنفسها الى حين المعركة القادمة، لا تلغي الاخطار التي تكتنف استمرار القتال.

حتى الآن كان للجيش الاسرائيلي الكثير من العقل والحظ. في هذه الاثناء لم يتم تسجيل أي خسائر كبيرة بسبب قصف الجبهة الداخلية، رغم أن حماس تقوم باطلاق صليات ثقيلة ومركزة أكثر مما كان في السابق. وفي نفس الوقت تم احباط معظم هجمات حماس. الجدار الذي بني على طول القطاع منع حتى الآن تسلل الخلايا عبر الانفاق (الخلايا التي حاولت فعل ذلك اصيبت في الانفاق في بداية القتال، ونحو 20 من اعضائها الذين هم نشطاء في قوة “النخبة”، قتلوا) والهجمات بواسطة طائرات مسيرة وغواصات مسيرة تم احباطها.

ولكن عاجلا أم آجلا سيتشوش أمر ما، إما أن تسجل حماس انجاز هجومي مفاجيء يهز معنويات اسرائيل أو يتم اختطاف جندي أو يرتكب الجيش خطأ يؤدي الى قتل جماعي في اوساط المدنيين الفلسطينيين ويثير الانتقاد الدولي. مع ذلك، عدد المدنيين الذين قتلوا في الهجمات يرتفع بشكل حاد. في بداية القصف كانت النسبة بين النشطاء القتلى والمدنيين القتلى اربعة نشطاء مقابل مدني واحد. أما الآن، حسب معطيات وزارة الصحة الفلسطينية التي تقوم بنشر قوائم القتلى من النساء والاولاد، فان النسبة تقترب من 1: 1.

هذه نتيجة متوقعة لمحاربة تنظيمات ارهابية تعمل داخل التجمعات السكانية. نسبة الخسائر يتوقع أن تميل اكثر تجاه المدنيين كلما استمر القتال. هذه المعطيات اصبحت تثير عدم الرضى في عدد من الدول الاوروبية وفي وسائل الاعلام وفي الادارة الامريكية والكونغرس. بالصورة التي كانت متوقعة جدا تتسع معارضة العملية في اوساط اعضاء الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي.

الانتقاد ربما تتم ترجمته في القريب الى طلب متزايد من اسرائيل لوقف اطلاق النار. هنا تلعب دور العملية التي حصلت على اهتمام قليل في الساحة البيتية. في يوم السبت الماضي قصف سلاح الجو البرج الخامس للمكاتب في غزة منذ بداية القتال بعد أن أمر المدنيين باخلائه بشكل سريع. ومثلما في الهجمات السابقة التي يسميها الجيش “اهداف القوة”، تم تبرير هذه العملية بذريعة أن المبنى توجد فيه مكاتب استخدمتها حماس. ولكن المشكلة لم تكن مع الشرير بل مع جيرانه: في الهجوم تم تدمير مكاتب وكالة “اسوشييتد بريس” وقناة “الجزيرة” ووسائل اعلامية اخرى ايضا.

هذه العمليات تقلص الائتمان الدولي لاسرائيل الذي تراكمت فيه الدماء، لا سيما في قصف حماس المتكرر لتل ابيب والمنطقة الوسطى. في اسرائيل المس المتعمد بوسائل الاعلام يثير بصعوبة الاجماع العام. وفي الغرب هذا يضاف الى ادعاءات وسائل الاعلام الاجنبية (التي ينفيها الجيش الاسرائيلي) بأن الجيش الاسرائيلي خدعها بشكل متعمد عشية قصف الانفاق الكبيرة في 13 أيار.

ادارة بايدن طلبت توضيحات من اسرائيل عدة مرات، ووزير الخارجية الامريكي، انطوني بلينكن، اعلن بأن المعلومات التي تم عرضها عليه في المحادثات مع الاسرائيليين لم تقنعه بعد بأنه كانت توجد في المبنى منشآت لحماس بررت القصف. وفي قنوات غير رسمية، يبدو أن الولايات المتحدة تحث اسرائيل على الانهاء ازاء عدد المصابين المتزايد. في وقت ما هذا الطلب سيصبح طلب علني.

الضفة تستيقظ

القتال في القطاع ينعكس ايضا على الوضع في الساحات الاخرى. مؤخرا سجل هدوء نسبي في التوتر في القدس وداخل حدود الخط الاخضر. والضفة في المقابل تقلق كبار الضباط في جهاز الامن. في يوم الجمعة الماضي اجريت عدة مظاهرات صاخبة لاحياء ذكرى النكبة واكثر من عشرة فلسطينيين قتلوا، اثنان منهم قتلا اثناء محاولة المس بجنود. ومحاولات تنفيذ عمليات دهس وطعن حدثت ايضا خلال العيد.

التصعيد في غزة يشعل الضفة ويؤدي الى ارتفاع عدد محاولات تنفيذ عمليات من قبل مخربين افراد. هناك تخوف ايضا من تشكيل خلايا محلية ستحاول تنفيذ عمليات اطلاق نار في الشوارع أو اقتحام مستوطنات من اجل تنفيذ حملات قتل. في اسرائيل يقلقون من انخفاض مستوى التنسيق الامني مع الاجهزة الامنية الفلسطينية ومن قوة تضامن سكان الضفة مع نضال حماس.

الجيش الاسرائيلي توجد له الآن في الضفة 24 كتيبة، تقريبا ضعف ما يكون لديه في الايام العادية. كتائب احتياط وكتائب نظامية تم نقلها الى الضفة بدل فصائل حرس الحدود التي نقلت الى حدود الخط الاخضر. ربما أن عدد القتلى المرتفع يرتبط ايضا بادخال قوات أقل تدريب الى الضفة، بالتحديد في وقت التسخين الامني.

صعوبة اخرى تتعلق بالتنسيق الامني مع الاجهزة الامنية الفلسطينية. رئيس السلطة، محمود عباس، يوجد تحت ضغط كبير ازاء التعاطف المتزايد مع حماس في الضفة. اذا حدثت موجة عمليات في الضفة فربما ستفضل اجهزة الامن الخاضعة له الوقوف في الجهة الاخرى ولن تتدخل. السلطة نقلت لاسرائيل رسائل تقول بأنه بعد أن يتم التوصل الى وقف لاطلاق النار في القطاع ستكون معنية ببادرات حسن نية تجاهها في القدس، لا سيما في الترتيبات حول الحرم، بهدف تحسين مكانتها هناك، وبالتالي تحسين وضعها في اوساط الجمهور الفلسطيني. هذا الطلب ايضا هو جزء من المنافسة الداخلية مع حماس.

-------------------------------------------- هآرتس – 18/5/2021

آثار الصدى لاحداث العنف في العاصمة، ستبقى ملموسة لزمن طويل آخر

بقلم:  نير حسون

” لقد تبين أن الشرطة في اسرائيل غير مهنية. وتبين مرة اخرى أن المسجد الاقصى هو مادة متفجرة تحتاج الى حذر زائد. ولكن ما زال يوجد أمل في التعايش بين اليهود والعرب “.

ميدان الجيش الاسرائيلي يوجد قرب الزاوية الشمالية الغربية من اسوار البلدة القديمة في القدس. من يأتي الى الميدان من مركز المدينة يتجه نحو اليمين اذا اراد أن يصل الى باب الخليل. ونحو اليسار اذا كان هدفه باب العامود. في يوم الاثنين، قبل اسبوع تقريبا (اسبوع فقط!)، قرر رئيس الحكومة في اللحظة الاخيرة أن يتم تغيير مسار “مسيرة الاعلام” حيث لا تمر من باب العامود والحي الاسلامي، بل من باب الخليل. الشرطة استعدت بسرعة لهذا التغيير وقامت باغلاق الميدان بواسطة شاحنات وحواجز طيارة وعدد من رجال الشرطة الذين قاموا بتحويل المشاركين في المسيرة الى باب الخليل والحي اليهودي. في الساعة السادسة مساء، في الفترة التي كان فيها مئات المشاركين في المسيرة يرقصون في الميدان سمعت صافرة الانذار الاولى من جولة اللكمات الحالية مع غزة. شرطيان تأهبا بسرعة وقاموا بالطلب من الجمهور الركض نحو الملجأ الذي يوجد في ميدان البلدية المجاور. معظم المشاركين في المسيرة لم يتمكنوا من ايجاد ملجأ قبل أن يسمعوا من بعيد صوت الانفجار بسبب سقوط الصاروخ في ممر القدس. بيت تضرر ولكن لم يصب أي أحد. موجة من الغضب والاهانة اصابت جمهور المشاركين في المسيرة. بضع عشرات بدأوا يهتفون “الموت للعرب”، وركضوا نحو الحواجز. وقد تم صدهم بسهولة من قبل رجال الشرطة.

موجات غضب مثل هذه، والتي اثارت موجات العنصرية والعنف، تكررت مرة تلو الاخرى في الاسبوع الماضي في الشوارع في اسرائيل. شبان، عرب ويهود وعرب من مواطني اسرائيل، شعروا بالاهانة والغضب التي لا يمكن السيطرة عليها امام ما اعتبر بالنسبة لهم اهانة قومية وحاجة قوية للدفاع عن كرامتهم وكرامة شعبهم. الاسباب تتغير، المس بالمصلين في المسجد الاقصى واطلاق الصواريخ نحو عسقلان أو احراق سيارة في مدينة مختلطة. هذا الغضب المقدس جعلهم يخرجون الى الشوارع من اجل البحث عن ممثلي القطاع المسيء، على الاغلب ضحايا عاجزين أو ممتلكات. هذا الغضب نما في اصيص خصب جدا للتعليم السيء ونظام رفاه منهار وجزر من عدم السيطرة في البؤر الاستيطانية على التلال في الضفة وفي الساحات الخلفية للبلدات العربية. وقد تم ري هذا الاصيص بالتحريض من قبل وسائل الاعلام والشبكات الاجتماعية والسياسيين الشعبويين عديمي المسؤولية.

حتى كتابة هذه السطور، نهاية عملية “حارس الاسوار” لا تلوح في الافق بعد. آثار الصدى التي اصدرتها الهجمات العنيفة في شوارع المدن داخل المجتمع الاسرائيلي ستهزنا لفترة طويلة. ولكن الآن يمكن استنتاج ثلاثة دروس مؤقتة. الاول يتعلق بشرطة اسرائيل، صحيح أننا سنضطر للتحدث عن العوامل الرئيسية للازمة والاحتلال والتمييز ضد المجتمع العربي، لكن لا مناص ايضا من الحديث عن عدم مهنية الشرطة الذي اتضح في هذا الاسبوع. قائمة الاسئلة الصعبة الموجهة لقيادة الشرطة العليا يزداد طولها في كل يوم يمر: كيف يمكن أنه في عملية الفتك في بات يم كان يوجد مراسلون ولكن لم يكن يوجد رجال شرطة؟ هل فحص شخص ما سؤال هل الاستخدام المبالغ فيه لتفريق المظاهرات، مثل استخدام المياه العادمة وقنابل الصوت، يؤدي الى عقاب بيئي، وفي نهاية المطاف ازدياد حدة الاحداث بدلا من تهدئتها؟ هل تم فحص امكانية استدعاء الشيخ كمال الخطيب للتحقيق معه بدلا من القيام بعملية شبه عسكرية واعتقاله في كفر كنا؟ هل تم اشراك جهات مهنية، التعليم والصحة، لمنع خروج الشباب اليهود من اجل المس بالعرب؟ لماذا لم تعمل الشرطة في شبكات التلغرام العنيفة والمحرضة لليمين، مثلا عن طريق ابلاغ المشاركين في مجموعات عن نوع المخالفات ومستوى العقوبة المناسبة اذا استجابوا لدعوات العنف؟ وماذا يعني وجود رجال شرطة يتجولون في شوارع يافا وهم يحملون رمز الجماجم المأخوذ من مسلسل “المعاقِب”؟.

الاستنتاج الثاني، الذي كتب مرات كثيرة في تقديرات الاستخبارات، هو أنه يجب عدم الاستخفاف بأهمية القدس والمسجد الاقصى بالنسبة للفلسطينيين، في البلاد وفي الضفة وفي غزة. اغلاق الدرج في باب العامود ومنع حافلات المصلين من الوصول الى الحرم والاقتحام العنيف للحرم واهمال العلاقة بين الاوقاف والشرطة وتشجيع منظمات اليمين في الشيخ جراح وغيرها، جميعها اخطاء تكتيكية للضباط في الميدان أو هي نتيجة لسياسة مميزة وخاطئة للشرطة. وعلى أي حال، هي أدت الى ايقاظ المخاوف العميقة جدا لدى الفلسطينيين من مس اسرائيل بشعارهم الوطني، الديني والشعبي، الاكثر اهمية بالنسبة لهم. لا أحد يمكنه أن يعرف هل هذه المواجهة المسلحة لم تكن لتندلع بدون هذه الاخطاء. ولكن لا شك أن هذه الاخطاء سهلت على حماس مهمة التجنيد والاقناع استعدادا للمواجهة. أي سياسي فلسطيني يعرف أنه حول المسجد الاقصى يمكن بسهولة تجميع الجمهور والحصول على الشرعية حتى لتنفيذ عمليات مثل اطلاق الصواريخ على اسرائيل. من هنا تنبع الحاجة الى التصرف بحذر شديد في القدس وعدم الاصغاء الى نصائح متحدثين شعبويين من اليمين، الذين يعتبرون أي خطوة حذرة ومدروسة ضعف وفقدان للسيادة. اذا كان هناك قلق واحد يمكن ازاحته عن الطاولة في اعقاب احداث الاسبوع الماضي فهو أن يعتقد شخص بأن اسرائيل غير قوية بما فيه الكفاية.

الاستنتاج الثالث متفائل. فرغم المشاهد القاسية ورغم الشعور بالخوف يمكن القول الآن بأنه لا يوجد أي سبب حقيقي لليأس من قيام حياة مشتركة بين اليهود والعرب في اسرائيل. خلافا لما هو سائد وخلافا للخطاب المهدد فانه على المدى البعيد المجتمع العربي والمجتمع اليهودي لا يزداد تطرفهما. بالعكس، من يعرفهما بشكل عميق يعرف أن استعداد الاسرائيليين والفلسطينيين للتضحية بالنفس، “الشهادة”، من اجل القومية والارض يتضاءل ولا يتعزز. الاغلبية الساحقة من المدنيين سئمت من العنف. وصحيح أنه كلما مر الوقت فان دوائر العنف تضاءلت والمبادرات الى الوقوف ضد العنف ازدادت.

الاهم من ذلك هو أنه الآن، اكثر من أي وقت مضى في تاريخ دولة اسرائيل، المجتمعان يعرفان بعضهما ويلتقيان على قاعدة متساوية. الآن المزيد من الاسرائيليين والفلسطينيين يعرفون بعضهم البعض بصورة حميمية لم يعرفوها من قبل. اسرائيليون يقابلون فلسطينيين ليس فقط كعمال نظافة أو صيانة، بل هم يقابلونهم في المستشفيات والسوبرماركت والصيدليات والجامعات والمقاهي، كأشخاص متساوين وأبناء من نفس المجتمع. العرب اصبحوا جزء حاسم في الاقتصاد والثقافة ووسائل الاعلام والانتاج في اسرائيل. كل ذلك يحدث رغم التمييز ورغم العنصرية، حتى في القدس التي فيها الفلسطينيون لا يعتبرون مواطنين. لذلك، يوجد سبب جيد للاعتقاد بأنه سيكون بالامكان تعريف المشاغبين والمحرضين ومن ينفذون عمليات الفتك كخارقين للقانون ومتطرفين هامشيين وبائسين يغضبون لأن المجتمع يسير في الاتجاه المعاكس لحلمهم.

ليس في هذه العلاقات الوطيدة داخل المجتمع الاسرائيلي ما يمكنه أن يحل المشكلات العميقة – الاحتلال والسيطرة العسكرية على ملايين الفلسطينيين في الضفة والحصار على غزة. وطالما أننا لا نواجه هذه المشكلات فهي ستجرنا، كما يبدو، الى جولات عنف اخرى. ولكن في المجتمع في اسرائيل لا يوجد أي سبب كي لا نؤمن بأن الجرح سيلتئم والجسور سيتم وصلها من جديد.

-------------------------------------------- مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية – 18/5/2021

غزة والحرب بين الديمقراطيين

بقلم: الدكتور أليكس جوفي

ورقة وجهات نظر مركز بيسا رقم 2041، 16 مايو 2021

ملخص تنفيذي:

 أدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى اندلاع أزمة بين الديمقراطيين التقدميين والحزب الذي يرأسه الرئيس بايدن. بما أن التقدميين قد جعلوا الصراع عنصريًا إلى إسرائيليين “بيض” يضطهدون الفلسطينيين “البني والأسود”، فإن إلقاء نظرة على مسار حزب العمال البريطاني أمر مفيد. وبفضل هجرة المسلمين، تعاني بريطانيا والولايات المتحدة الآن من سياسات انتخابية معادية للسامية وتهديدات بالعنف. ومثلما ساعدت هذه الظاهرة في تهميش حزب العمال البريطاني، فقد تؤدي في المستقبل القريب إلى تقويض الديموقراطيين.

للصراع الحالي بين إسرائيل وحماس العديد من السمات القديمة والجديدة. من بين أكثرها رواية المعارضة الصريحة للتقدميين داخل الحزب الديمقراطي. والسبب الآخر هو التفرقة العنصرية الكاملة للصراع على أسس أمريكية بحتة: الإسرائيليون هم المضطهدون البيض، والفلسطينيون هم الضحايا البني والسود.

ظهرت هذه السمات على مدى السنوات القليلة الماضية، لا سيما بين حركة المقاطعة BDS التي بدأت في إجراء المقارنات بصوت عالٍ بعد أعمال الشغب التي قام بها فيرغسون عام 2014، وأصبحت سمة من سمات خطاب أمة الإسلام وحياة السود مهمة. ولكن تم التعبير عن هذا الآن بشكل كامل كقضية ثقافية وسياسية، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الانهيار العصبي الأمريكي حول “العرق” وعدم كفاءة إدارة بايدن الجديدة التي لا تزال غير مسبوقة، بل وكارثة بالفعل.

لقد أعربت القيادة المتعثرة للديمقراطيين التي يمثلها الرئيس بايدن نفسه ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي عن مخاوف تقليدية بشأن أمن إسرائيل وفهم ما يمكن تسميته السببية والنسبة: هاجمت حماس المدنيين الإسرائيليين والدولة اليهودية تستخدم الوسائل المتناسبة اللازمة للقضاء على التهديد – ولكن ليس بقدر التسبب في خسائر مدنية مفرطة. وخالف عدد قليل من المسؤولين المنتخبين الأصغر سنًا مثل النائب ريتشي توريس الموجة التقدمية جنبًا إلى جنب مع الديمقراطيين اليهود. من ناحية أخرى، فإن الجمهوريين متماثلون تقريبًا في التعبير عن التزامهم الصريح تجاه إسرائيل.

لكن الجناح التقدمي للديمقراطيين احتل مركز الصدارة. في عرض أخير على أرضية مجلس النواب، نهض عضو تقدمي واحد تلو الآخر لإدانة إسرائيل ودعم الرئيس بايدن، ولرسم تشابهات متقطعة ومبالغ فيها بين غزة والمشهد الأمريكي. هاجمت ممثلة Firebrand ألكساندريا أوكاسيو كورتيز بايدن ودافعت ضمنيًا عن حماس قائلة: “صرح الرئيس أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس. هل للفلسطينيين الحق في الحياة؟ “

وذهبت النائبة الإسلامية إلهان عمر إلى أبعد من ذلك واعتبرت إسرائيل “حكومة فصل عنصري” بينما صرحت النائبة إيانا بريسلي “بصفتي امرأة سوداء في أمريكا، لست غريباً عن وحشية الشرطة وعنف الدولة. لقد تم تجريمنا بسبب الطريقة التي نظهر بها في العالم … يتم إخبار الفلسطينيين بنفس الشيء مثل السود في أمريكا: لا يوجد شكل مقبول من المقاومة “. أوضحت النائبة كوري بوش الادعاء على وسائل التواصل الاجتماعي: “الكفاح من أجل حياة السود والكفاح من أجل تحرير الفلسطينيين مترابطان. نحن نعارض ذهاب أموالنا لتمويل الشرطة العسكرية والاحتلال وأنظمة القمع والصدمات العنيفة. نحن ضد الحرب. نحن ضد الاحتلال. ونحن ضد الفصل العنصري. فترة.”

السؤال الذي يبقى هو كيف نفهم مستقبل الحزب الديمقراطي. يتم الحصول على بعض البصيرة من خلال إلقاء نظرة على حزب العمال البريطاني. منذ استيلائه من قبل فصيل الزخم المخلوع الآن بقيادة جيريمي كوربين، تحول حزب العمل بالكامل من حزب الطبقة العاملة الديمقراطية الاجتماعية التقليدية إلى حزب يساري متطرف يمثل البيض الساخطين من الطبقة الوسطى الحضرية وحتى الأقليات العرقية الأكثر غضبًا – BAME (“السود، الآسيوية، أقلية عرقية “)، وهذا يعني في المقام الأول المسلمين. ولا يخجل أي منهما من كراهيته لحزب المحافظين، والبنى الاجتماعية والاقتصادية القائمة في البلاد، والتاريخ البريطاني، الذي اختزلوه إلى الاستعمار والإمبريالية. إنهم لا يزالون أكثر ازدراءًا لإسرائيل واليهود، الذين يعتبرونهم مثالًا للمستفيدين الإمبرياليين والمستغلين الرأسماليين القبليين، وتحيزات غطت على معاداة السامية البريطانية التقليدية.

في هذا الصدد، أدت الهجرة الإسلامية الضخمة التي دبرها حزب العمال تحت قيادة توني بلير في التسعينيات إلى تحول جذري في المجتمع البريطاني. في القرن الحادي والعشرين، بنى كوربين ائتلافه للاستفادة من عدم المساواة الاقتصادية والاستياء العرقي، وهي على وجه التحديد الموضوعات التي تحفز الديمقراطيين التقدميين اليوم. ومن سمات ذلك، عن قصد، استخدام إسرائيل كفتى للجلد لتحفيز الناخبين على جميع المستويات، من نوادي الجامعات والمجالس المحلية التي تتبنى اقتراحات BDS، إلى السياسيين الوطنيين الذين يفكرون في المقاطعة والطعن في ولاءات اليهود البريطانيين. لقد تأثر اليهود البريطانيون، الذين كانوا متحفظين بشكل مشهور، بهذه الانتهاكات واستدعوا حزب العمال، منزلهم التقليدي، مطالبين بإجراء تحقيقات كشفت عن سلوكيات ومواقف صادمة من الدائرة الداخلية لكوربين. ردا على ذلك، اتهم كوربين وزملته إسرائيل بالتآمر لتقويضهم. وفي هذه الأثناء، قام شخصية بوريس جونسون المضحكة في بعض الأحيان ولكن الحذق في كثير من الأحيان بتصميم الخروج من الاتحاد الأوروبي، واستجابة خرقاء ولكن فعالة لفيروس كورونا، وبدايات الانتعاش الاقتصادي.

توجد العديد من هذه الميزات نفسها في الولايات المتحدة. لقد شهدت نيويورك وشيكاغو تدفقات هائلة من الغضب على إسرائيل والولايات المتحدة بشأن غزة، وتحديداً من تحالف البيض من الطبقة المتوسطة اليسارية المتطرفة (بما في ذلك اليهود الساخطون الذين يعملون بمثابة نماذج فنية) مدعومين من قبل المسلمين، وبدرجة أقل، الأفارقة. الأمريكيون. يجب أن يُنظر إلى هذا على أنه موازٍ لـ Black Lives Matters وتيارات Antifa التي أثارت غضب المدن الأمريكية لأكثر من عام، مرة أخرى بمباركة السياسيين التقدميين. في غضون ذلك، توغلت إسرائيل كقضية بعمق في السياسة المحلية. تم استجواب المرشحين لرئاسة بلدية نيويورك وانتقادهم وتهديدهم بسبب تعبيرهم عن دعمهم للدولة اليهودية. وتواصل العصابة المناهضة لإسرائيل في الكونجرس العمل بلا كلل للمساواة بين الفلسطينيين و “المجتمعات البنية والسود” في الولايات المتحدة. هذه الإثارة العنصرية والمعادية للسامية هي، مرة أخرى، للأسف مألوفة في بريطانيا وأماكن أخرى، ليس أقلها “الشارع العربي”.

بمعنى أوسع، أشار الكثيرون إلى اتجاه ينذر بالسوء بشكل خاص – تقبيل الولايات المتحدة على أسس عرقية وإثنية في سياق أيديولوجية أقلية سائدة تمنح امتيازًا لمن يدعون أنهم ضحايا. إن الطبيعة متعددة اللغات للمجتمع الأمريكي تجعل تصنيف هذه السمات مختلفًا للغاية باستثناء ما يتعلق بالخطوط “العنصرية” الاختزالية الفجة. يسهل فهم الجوانب المتعلقة بالجيل إلى حد ما ؛ جيل ضائع من خريجي الجامعات ضعيفي التعليم مع القليل من المهارات الكمية أو التحليلية التي يمكن تمييزها، لكن الشعور الصحي بالاستحقاق وكذلك الديون الكبيرة أثبت أنه أرض خصبة لسرد الأحداث عن الضحية والاشتراكية. ويقترن بهذا الذعر الأخلاقي الذي تدعمه الشركات الآن بشأن العرق حيث تحل “الإنصاف” بمعنى النتائج المتساوية محل الجدارة كأساس للتعليم والنتائج الأخرى.

وهكذا يتم إجبار تصورات الوجه على روايات عن إسرائيل والفلسطينيين: أبيض مقابل أسود، رابح مقابل خاسر، قوي مقابل ضعيف. هذا النوع من الإمبريالية الأمريكية المعرفية أو القاطعة مدمر للغاية، لكن تم نشره على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما من قبل “المشاهير” مثل عارضة الأزياء بيلا حديد، التي أبلغت لمتابعيها البالغ عددهم 42 مليونًا على إنستغرام أن إسرائيل هي مجموعة من “المستوطنين الذين يستعمرون” فلسطين “حرفياً باستخدام رسم كاريكاتوري.

لكن البعد العرقي، مع تنامي الوجود المسلم في أمريكا، يشكل خطراً خاصاً. إن المضايقات اللفظية والجسدية المتزايدة لليهود في نيويورك وميامي ولوس أنجلوس من قبل الشباب المسلمين هي بالضبط ما شوهد منذ فترة طويلة في السياقات الأوروبية. إن الشعور بالإفلات من العقاب والترخيص الذي يوفره القادة المنتخبون مثل أوكاسيو كورتيز وطليب هو أيضًا عبق للأحزاب الإسلامية في أوروبا. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا التطرف سيتحول إلى مزيد من الإرهاب، أو مذابح واسعة النطاق.

لكن المقارنات الأوروبية ليست ميؤوس منها تمامًا. الانتقادات الرسمية للعمليات الإسرائيلية ضد حماس من القادة الأوروبيين كانت حتى الآن خافتة بعض الشيء. في حين أنه ليس يمينيًا، في مواجهة تكثيف الإرهاب الإسلامي والعنف والانفصالية، فضلاً عن الأزمات الاقتصادية المستمرة التي تفاقمت بسبب الوباء، تحرك القادة الأوروبيون وربما المجتمعات عمومًا إلى اليمين إلى حد ما. هذا ملحوظ أيضًا في بريطانيا نفسها، حيث تم تحييد حزب العمال، بقيادة كير ستارمر، بسبب عدم كفائته بشأن عمليات الإغلاق والانتعاش الاقتصادي، ومشكلة معاداة السامية المستعصية.

لن يتضح ما إذا كان الحزب الديمقراطي سيفعل الشيء نفسه مع نفسه إلا بعد انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. من المؤكد أن القضايا الاقتصادية – ارتفاع معدلات البطالة، والتضخم المتزايد بسرعة، ونقص السلع، وارتفاع الضرائب والعجز الهائل – ستحتل مركز الصدارة. من المحتمل أن يتم حساب هذه القضايا، لكنه سيكون مرتبطًا بالقضايا الثقافية، وبالتحديد التطرف فيما يتعلق بـ “العنصرية” التي طعنت في مجتمع يعاني من عمى الألوان إلى حد كبير. ستلعب معاداة السامية وإسرائيل والهجرة غير الشرعية والانفصال العرقي وغير ذلك الكثير دورًا. إن ردود الأفعال العكسية التي ظهرت ضد الثالوث المقدس المتمثل في “التنوع والمساواة والشمول” و “نظرية العرق النقدي”، وكلها تشوه سمعة اليهود وتشوه إسرائيل، آخذة في الازدياد ولكنها لا تزال وليدة.

في غضون ذلك، يستمر الخطر، لا سيما في ظل غياب القيادة الفعالة من بايدن ودائرته الغامضة من المستشارين. التأثير الأكثر إلحاحًا، الذي يوضح حتى الآن فقط وليس حاسمًا، هو الحرب الأهلية العلنية بين بايدن والتقدميين على إسرائيل.

في غضون ذلك، فإن الضرر الذي يلحق بشرعية المؤسسات الحاكمة الأمريكية، ناهيك عن أي فكرة عن “إجماع من الحزبين” حول إسرائيل، كبير. كيف يمكن إصلاح الأول هو السؤال الأهم الذي يجب على أي مرشح رئاسي، ديمقراطي أو جمهوري، التفكير فيه الآن، قبل انتخابات 2024 بوقت طويل. مع صعود السياسة العرقية في الولايات المتحدة، فإن كيفية إعادة تأسيس هذه الأخيرة هي مسألة أخرى تمامًا.

 * أليكس جوفي هو زميل أول غير مقيم في مركز بيسا .

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق