في صبرا وشاتيلا.. بكاء من الغلاء

  

هلا سلامة - الحياة الجديدة

هنا في صبرا وشاتيلا حيث سحقت العدالة الإنسانية يوما وسطا الإرهاب سطوته التاريخية على الأبرياء، ما بين الأمس البعيد، تاريخ المجزرة الوحشية التي ارتكبها العدو الصهيوني وعملاؤه، واليوم، لا يتوقف الموت الجماعي في حضرة البؤس والحرمان الذي ما زال يلف زوايا المخيمين.. في الحالتين الضحية إنسان والمسؤولية لا ترفع حتى عن المنددين الذين بيدهم الفعل كما القول.

هنا تغيب حقوق الإنسان وتغيب الشرائع و المجتمع الدولي عن حماية اللاجئين الفلسطينيين في شتاتهم.. وكالعادة تغيب الدولة المضيفة غيبتها الكبرى ولو بسن القوانين العادلة بالحد الأدنى والتي تؤمن أبسط حقوق العيش الكريم لشعب يعيش على أرضها دون أن تغفل أيضا أن نسبة كبيرة من اللبنانيين يشكلون جزءا من أهل المخيمين المنكوبين.

هم منكوبون في بيئتهم وبالتالي في صحتهم، يعيشون في منطقة تعاني بنيتها التحتية الاهتراء بفعل الإهمال المزمن، طرقات لا تشبه الطرقات، بيوت قديمة ومتصدعة، وعلى قاعدة لا عين تشوف ولا قلب يحزن .. ولو مات الجميع !! 

في الأيام الحالكة التي يعيشها لبنان من جراء الأزمة الاقتصادية وفحش الدولار والأسعار نقصد المخيمين لنلتقي بالكارثة على أبوابهم وقد زادتهم تعبا "وأنينا" وعند بعضهم صمتا لا يقوون على تفسيره.

علي المهول ابن قضاء صفد هو رجل في أواخر الستينيات كان يعمل في بيع اللحوم على مدى 30 عاما في مخيم شاتيلا، يقول: منذ بداية الأزمة اللبنانية وارتفاع سعر الدولار أقفلت الملحمة لأن الغلاء لم يعد يساعدني على الصمود .. بقيت أعمل إلى أن بلغ كيلو اللحمة 26 ألف ليرة لبنانية، هذا كان الحد الأقصى لأقاوم وأستمر في عملي واليوم بات يحلق فوق الخمسين والستين.

وأضاف: لقد قل عدد الزبائن بشكل كبير في الآونة الأخيرة واضطررت أن أشتري قطعا كبيرة من اللحوم لا تتجاوز الـ 15 كيلو لبيعها مخافة من أن تكسد عندي وأخسر، فبات ربحي قليلا جدا ومعظم الأحيان الخسائر تفوقه.

ويتابع بكل تفاؤل وامتنان من الله : لدي خمسة أولاد ساعدتهم من عملي وقد تزوجوا وفتحوا بيوتا لهم والآن انتهت الرزقة ورب العالمين يدبرها ولا يترك أحدا".. المنهكون من الوضع المعيشي في المخيم كثر ولكن غالبيتهم ما زالوا يكتمون صوتهم .. نحن نعيش صفا واحدا في المخيم ونتعاون حتى في وجبة الطعام، ولكن وجبة الطعام اليوم باتت مكلفة وشاقة.

وسام عثمان يعمل في دكان للمواد الغذائية يتوسط أحياء شاتيلا الضيقة يقول لـ "الحياة الجديدة": تبدلت القدرة الشرائية عند المواطنين بنسبة كبيرة جدا، كانوا يتقاضون راتب الـ 600 ألف ليرة لبنانية على سعر صرف الدولار 1500 ليرة لبنانية واليوم يتقاضون حوالي المليون ليرة أي ما يوازي تقريبا الـ 100 دولار التي لم تعد تكفي لتسديد إيجار المنزل وبالتالي أصبح من يريد دخول الدكان عليه أن يعمل حساباته عشرات المرات.

تدخل الحاجة صبحية عودة إلى الدكان أمامنا وهي أم لشابين أحدهما يعاني من مرض القلب ودخول المشافي باستمرار والآخر عاطل عن العمل.. تشرد عودة في الرفوف محتارة ماذا تريد فتصف الوضع بالعصيب وتقول وهي تلهث تعبا: حتى الدواء لا أستطيع تأمينه.. بتنا نبكي من الغلاء.. زادت معاناتنا ونعيش تحت رحمة ربنا.

في مخيم صبرا يتكلم ياسر الجمل عن الانقطاع الكهربائي بمعدل 12 ساعة يوميا ثم يبرز لنا فاتورة الكهرباء التي يدفعها الفلسطينيون بانتظام لمؤسسة كهرباء لبنان ويقول: كنا نستعين بالمولد لتغطية ساعات الانقطاع لكن رسم الاشتراك ارتفع أكثر من أربعة أضعاف، كنا ندفع 25 ألف ليرة لبنانية شهريا لكل اثنين ونصف الأمبير أما اليوم فيتراوح بين الـ 100 ألف والـ 150 ألف ليرة لبنانية حسب ارتفاع سعر الدولار .

الجمل الذي أعانه جاره بخط كهربائي من المولد المخصص لإنارة منزله يبيع في كوخ صغير بإحدى زوايا المخيم السكاكر وتدفع له الأونروا إعانة اجتماعية بحدود الـ 120 دولارا شهريا محولة إلى أحد البنوك اللبنانية التي تدفعها له بالعملة الوطنية على سعر صرف يوازي 3900 ليرة لبنانية بينما يفوق السعر في السوق السوداء الـ 12 ألف ليرة لبنانية فيطالب أسوة بغيره بدفع المبلغ بالدولار كي يتمكن من تسديد احتياجات عائلته.

وتكثر حكايات الفلسطينيين في مخيمات اللجوء اللبنانية. مفيدة العلم المتزوجة من الفلسطيني سمير ياسين وهي أرملة منذ 20 عاما ولديها خمسة أولاد، لا يعمل إلا واحد من أبنائها بسبب البطالة التي اشتدت من جراء الأزمة تقول: توقفت عن النزول إلى السوق كي لا يستهويني الشراء لأن حالتي لا تسمح.

وليس بعيدا عن اللبنانيين والسوريين الذين وجدوا في المخيمات مأوى أخف وطأة عليهم من المناطق اللبنانية الأخرى.. حامد وهو من سوريا متزوج وعنده ولدان يعمل في محل للدجاج ويتقاضى 600 الف ليرة لبنانية، يحبس دمعه وهو يقول: إيجار منزلي 350 ألف ليرة لبنانية واشتري لعائلتي كيلو واحد من الدجاج مرة واحدة في الشهر.

"الحياة الجديدة" التقت في مخيم شاتيلا محمد حسنين مسؤول منطقة بيروت في جمعية الشفاء للخدمات الطبية والإنسانية الذي شرح عن معاناة الناس في المخيمات وقال: أجواء رمضان هذا العام مفقودة في ظل كورونا والأزمة الاقتصادية الحادة وغياب الأونروا عن الخدمات التي تقع ضمن مسؤولياتها في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني خصوصا فيما يتعلق بأزمة كورونا وتأمين المواد التعقيمية وعملية الوقاية والأدوية والوقوف إلى جانب المرضى المحجورين.

وأضاف حسنين: الوضع ذاهب للأسوأ وبصراحة لولا مساعدة المغتربين لكنا في مأزق كبير، هذا المخيم يضم جميع الجنسيات ونحن نقسم أي مساعدات تأتينا على من هم أكثر حاجة من دون تفرقة مع تأكيده على أن اللبنانيين والفلسطينيين هم الأكثر تضررا من الأزمة الحالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق