فضائل الصيام

 

لقد خصَّ الله عز وجل عبادة الصيام من بين العبادات بفضائل وخصائص عديدة , منها :

1-             أن الصوم لله عز وجل وهو يجزي به , كما ثبت في البخاري ( 1894 ) ، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف , قال الله عز وجل : إلا الصيام فإنه لي , وأنا أجزي به , إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي  .

قال ابن رجب معلقا على هذه الرواية : " الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف , إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد , بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر عدد , فإن الصيام من الصبر , وقد قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر / 10"  انتهى من  "لطائف المعارف" (283_284) .

ثم قال رحمه الله : " واعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب منها شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل كالحرم ..... ومنها شرف الزمان , كشهر رمضان وعشر ذي الحجة ...فلما كان الصيام في نفسه مضاعفا أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال كان صيام شهر رمضان مضاعفا على سائر الصيام لشرف زمانه , وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني الإسلام عليها "انتهى من  "لطائف المعارف" (284_286) باختصار .

وجاء في رواية لحديث أبي هريرة عند البخاري (7538)  :  لكل عمل كفارة , والصوم لي وأنا أجزي به  .

قال ابن رجب : " على [هذه الرواية] فالاستثناء يعود إلى التكفير بالأعمال , ومن أحسن ما قيل في معنى ذلك ما قاله سفيان بن عيينه رحمه الله , قال : هذا من أجود الأحاديث وأحكمها , إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده , ويؤدِّي ما عليه من المظالم من سائر عمله , حتى لا يبقى إلا الصوم , فيتحمل الله عز وجل ما بقي عليه من المظالم , ويدخله بالصوم الجنة . خرجه البيهقي في "شعب الإيمان" .... فيحتمل أن يقال في الصوم : إنه لا يسقط ثوابه بمقاصة ( أي قصاص ) ولا غيرها , بل يوفر أجره لصاحبه حتى يدخل الجنة , فيوفى أجره فيها " انتهى من "لطائف المعارف" (286) .

قال أيضا : ( وأما قوله : " فإنه لي " أحسن ما ذكر في [معنى ذلك] وجهان :

أحدهما : أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله عز وجل , ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام ...

الوجه الثاني : أن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره , لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله , وترك لتناول الشهوات التي يستخفى بتناولها في العادة" انتهى من "لطائف المعارف" (289_290) باختصار .

2-             أن للصائم فرحتين يفرحهما , كما ثبت في البخاري ( 1904 ) ، ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  وللصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره , وإذا لقي ربه تبارك وتعالى فرح بصومه  .

قال ابن رجب : " أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح , فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه , خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه , فإن النفوس تفرح بذلك طبعا , فإن كان ذلك محبوبا لله كان محبوبا شرعا , والصائم عند فطره كذلك , فكما أن الله تعالى حرَّم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات , فقد أذن له فيها في ليل الصيام , بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره ... فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقربا إليه وطاعة له , وبادر إليها في الليل تقربا إلى الله وطاعة له , فما تركها إلا بأمر ربه , ولا عاد إليها إلا بأمر ربه , فهو مطيع له في الحالين .... وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه على القيام والصيام كان مثابا على ذلك , كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوِّي على العمل كان نومه عبادة .... ومن فهم هذا الذي أشرنا إليه لم يتوقف في معنى فرح الصائم عند فطره , فإن فطره على الوجه المشار إليه من فضل الله ورحمته , فيدخل في قوله تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يونس / 58 , ولكن شرط ذلك أن يكون فطره على حلال , فإن كان فطره على حرام كان ممن صام عما أحل الله , وأفطر على ما حرم الله ، ولم يستجب له دعاء , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم   في الذي يطيل السفر : " يمد يديه إلى السماء : يا رب , يا رب , ومطعمه حرام , ومشربه حرام , وملبسه حرام , وغُذِي بالحرام , فأنى يستجاب لذلك " رواه مسلم من حديث أبي هريرة (1015)   .

وأما فرحه عند لقاء ربه فما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا , فيجده أحوج ما كان إليه , كما قال الله تعالى :   وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً    المزمل / 20 ، وقال تعالى : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً   آل عمران / 30 ) ، وقال تعالى :   فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ   الزلزلة/7 "انتهى من "لطائف المعارف" ( 293_295) باختصار .

3-             أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك , كما ثبت في البخاري ( 1894 ) ومسلم ( 1151 ) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل يوم القيامة من ريح المسك  .

قال ابن رجب : " خلوف الفم : رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة , لخلو المعدة من الطعام بالصيام , وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا , لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته , وابتغاء مرضاته ..... وفي طيب ريح خلوف الصائم عند الله عز وجل معنيان :

أحدهما : أن الصيام لما كان سرا بين العبد وربه في الدنيا , أظهره الله في الآخرة علانية للخلق , ليشتهر بذلك أهل الصيام , ويعرفون بصيامهم بين الناس جزاء لإخفائهم صيامهم في الدنيا ....

والمعنى الثاني : أن من عبد الله وأطاعه وطلب رضاه في الدنيا بعمل , فنشأ من عمله آثار مكروهة للنفوس في الدنيا , فإن تلك الآثار غير مكروهة عند الله , بل هي محبوبة له , وطيبة عنده , لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته , فإخباره بذلك للعاملين في الدنيا فيه تطييبٌ لقلوبهم , لئلا يكره منهم ما وجد في الدنيا" انتهى من "لطائف المعارف" ( 300_302) باختصار .

4-             أن الله أعد لأهل الصيام بابا في الجنة لا يدخل منه سواهم , كما ثبت في البخاري ( 1896 ) ، ومسلم ( 1152 ) من حديث سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   :  إن في الجنة بابا يقال له : الريان , يدخل منه الصائمون يوم القيامة , لا يدخل معهم أحد غيرهم , يقال : أين الصائمون ؟ فيدخلون منه , فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد  .

5-             أن من صام يوما واحدا في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين عاما , كما ثبت في البخاري ( 2840 ) ؛ ومسلم ( 1153 ) من حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا  .

قال القرطبي : " سبيل الله طاعة الله , فالمراد من صام قاصدا وجه الله " "فتح الباري" لابن حجر (2840) .

6-             أن الصوم جنة ( أي وقاية ) من النار ، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الصيام جُنة ، وروى أحمد (4/22) ، والنسائي (2231) من حديث عثمان بن أبي العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم   يقول : الصيام جُنة من النار , كجُنة أحدكم من القتال وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (967) .

7-             أن الصوم يكفر الخطايا ، كما جاء في حديث حذيفة عند البخاري ( 525 ) ، ومسلم ( 144 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

8-             أن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة , كما في حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة , يقول الصيام : أي رب , منعته الطعام والشهوة , فشفعني فيه , ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه , قال : فيشفعان  رواه أحمد (2/174) ,  وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (969) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق